إنشاء وقيام سد النهضة وتزامنه مع تغيرات الأوضاع السياسية بمصر واثيوبيا وفر للسودان الدخول الى معركة السد بوضع مريح بل زاد عليه بوضعية إمتلاك كرت مجاني صنعته الظروف إستطاع ان يحوله في فترات كثيرة الى حبل سايس اسود في سيرك ؛ فتارة يرفعه يمنة فترقد اثيوبيا ويميل به يسرة فترقد مصر ! هذا الوضع تحول لاحقا لحصول السودان على وضعية موزع الورق في الازمة بين البلدين ؛ فصار تقريبا هو المالك لمقترحات التسويات ومعالجات اختناقات الملف (اعلان المبادئ 2015) ويجب الإعتراف ان البشير ادار الملف باسلوب التشاور الموسع وبتناسق عمل المؤسسات عكس ملفات اخرى بما في ذلك ملفات تتعلق بالامن والدبلوماسية وفوق هذا يجب القول ان مساحة البصمة الشخصية فيه لوزير الري _قبل نقله لرئاسة الوزراء_ معتز موسى كانت واضحة إذ نجح في ادارة توازن القرب والإنسجام مع نظيره المصري والاثيوبي كما طول مدة مكوثه بالملف وفرت له امكانية المعرفة بتكتيكات الاطراف وصقلته بخبرات و احتفظت الخرطوم بكرت مربح اثمر في صالحها بالحد الادني ضمن نقاط اخرى في تسكين توترات علاقاتها بالقاهرة واضاف ثقلا لصلتها بأديس ابابا ؛ ما حدث بعد 11 ابريل 2019 وضح فيه ان السودان إفتقد الرؤية الخاصة ؛ وضح ان النظام الجديد ولإعتبارات نفسية وذاتية رفض المضي في الاستراتجية القديمة المستقلة نسبيا ؛ باكثر من شاهد وموقف ظهر وزير الري الجديد في هيئة (الموظف) الذي يخشى تبعات التطوع بإشهار موقف وذات الامر امتد لرئيس الوزراء وقبله المكون العسكري في المجلس العسكري او السيادي لاحقا ؛ مع مشكلة عدم المواكبة من وزيرة الخارجية فتكون وضع تحول فيه السودان من موزع للورق الى وضع المتلقي ؛ وواضح ولتفسيرات تتعلق باتجاهات المحاور ان رؤية الخرطوم صارت فعلا او اضطرارا اقرب لاخذ طريق مصر ؛ وتحاشت بشكل ظاهر الخطى الاثيوبية وفشلت فوق هذا في خط طريق ذاتي الملامح والخطاب حول الموقف من سد النهضة ؛ إضطراب ظهر بشكل واضح في إجتماعات يناير بالخرطوم 2020 وفي تكرار وزير الري لاقوال مبشرة تنفى كل صباح مرة من المصريين ومرة من الاثيوبيين مثل تصريح الرجل حول سنوات ملء بحيرة السد ! ولاحقا وبشكل ما غير مفهوم ويستشف حتى من الحضور الباهت لوزير الري السوداني ووزيرة الخارجية (هذه مهارات شخصية لا تقدح في جوانب التاهيل) قد اضر بموقف السودان في الاحكام والسيطرة والعرض للموقف ؛ وظهر ان المعركة تحولت لعراك مصري اثيوبي كان يمكن للسودان ان يستعيد به الزمام والمبأداة وبدعم امريكي (لحساسية موقف واشنطن بين مصر واثيوبيا) لكن هذا لم يحدث وبشكل ما انتقل موقف السودان من الحياد او اللعب لصالح ورقه الى وضعية إسناد الموقف المصري وصحيح الا مطروح للملا حول الامر لكن جملة إشارات بدت لافتة ومنها سكوت الموقف الرسمي ان تحديد دقيق لراي سوداني يخرج من تحت القمصان واربطة الاعناق المختلطة في اكثر من ست إجتماعات ! وفوق هذا الموقف الغريب للحكومة الانتقالية من احتفال يوم النيل بالخرطوم فرغم احتفاء تلحكومة بمناشط ذات صبغة دبلوماسية الا ان التعامل مع المناسبة تم بشكل في شقه الرسمي ببرود محير (اعلنت مبادرة حوض النيل مشاركة رئيس الوزراء ثم حضرت وزيرة الخارجية رغم وجود حمدوك بالخرطوم يومها) هذا بخلاف الانتقال الرسمي في الموقف من القبول بقيام السد مع ترك شواغل التامين الفنية لعمل اللجان لإعلان ان السودان يقبل التشغيل بعد إستيفاء الشروط الفنية لقواعد الملء وهو موقف جديد بالكامل وربما يوضع في خانة الجديد ! وليس معيب بالطبع ان يتدبر السودان موقف يراعي مصالحه لكن ترتيب هذا الملف كانت الرؤية فيه واضحة بما يجعل اي تحولات راهنة محل تساؤل والاهم من هذا فحص ارباحه وخسائره على المدى البعيد إذ ان اي تطور غاضب من الاثيوبيين مثلما اعلنوا اليوم بأنهم سيملاءون السد في مرحلته الاولى ؛ مصر سترفض وقد ترتكب اي اجراء سياسي او حتى عسكري ليكون السؤال عن موقف السودان وقتها هل سيساند موقف القاهرة بكل تبعاته ام سيبلع التزامه وهو لم يكن مضطرا بالاساس لاتخاذ موقف متشدد لن يطال منه جدوى ؛ فخلاصة الوضع بالنسبة لواشنطن ان اديس ابابا والقاهرة في إستراتجيات افريقيا اثقل من الخرطوم والتي للاسف وضعت الكرت الذي كان يمكن ان يجلب لها النقاط في يد القاهرة وعليها الانتظار يا مولاي كما خلقتني ؛ عموما وبعيدا عن الحسابات الفنية السودان ادار ما يملك في هذه القضية بمستوى غريب من الرعونة وربما المجاملة وربما اهداء فوزه لغيره.