حصن الأمومة!
* الحكايات التي لم تعد تنتهي عن قضايا وحوادث التحرش الجنسي واغتصاب واختطاف الأطفال والتي تؤرق مضاجع المجتمع لا سيما الأمهات, لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نظل نبحث لها عن الدوافع والأسباب ونكتفي كأمهات بالبكاء والعويل والاستنكار والتظاهر ونغفل الدور الكبير الذي نلعبه فيها.
فلا تكتفي كأم بالتنديد بمثل هذه الحكايات.. ولا تستكيني لكونها ظواهر دخيلة وتظلين أبداً فى بحث دؤوب عن تفاسير ومبررات لما بات عليه سلوكنا الاجتماعى من تردٍّ, وما تكابده براءة أطفالنا من تعدٍّ.. فنحن أصحاب الدور الأبرز في توفير الحماية اللازمة لأطفالنا، وإن كان ذلك على حساب حريتهم وطفولتهم المنطلقة, فما جدوى الحرية التي نتشدق بها مع طفل فقد نقاءه وتلوثت ذاكرته بتجارب مريرة وذكريات حالكة السواد وحيرة دامية؟.. سيظل البعض يحتج على ما بتنا نمارسه مع أبنائنا من رقابة محكمة وملاحقة دائمة وتحجيم لدائرة نشاطهم وحركتهم.. وسيتهكمون على مخاوفنا وحرصنا البالغ ويتهموننا بدفع أبنائنا نحو الإصابة بالعديد من الأمراض النفسية وإضعاف مناعتهم الاجتماعية وتقليص تجربتهم الحياتية وانفتاحهم على العالم… وليكن!
* لا يعنينى كثيراً أن تصبح ابنتى منغلقة على نفسها وانطوائية وهادئة جداً طالما ظلت محتفظة بعذريتها وجمالها الروحي تطالع قصص الأطفال وتتصفح مجلاتها وترسم أحلامها باللون الزهري والأخضر مع احتفاظ السماء لديها بكامل زرقته دون أن تغشاها الكوابيس المفزعة التي تقلق نومها وتبكيها ليلاً حتى يبلل الدمع وسادتها بعد أن فقدت ثقتها في نفسها وفيَّ وفي من حولها.
ولا يعنيني أن يستحيل ابني إلى صبي وديع ومسالم لا يجيد المشاجرة ولا يتقن لعب كرة القدم ولم تعركه حياة الشارع بالقدر الذي يشتد به عوده، فهذا الشارع لم يعد مصنعاً للرجال ولكن احتمالات الانكسار والضياع والانحراف به صارت أكبر, ولم يعد (البلي) هو اللعبة الأشهر فقد باتت العديد من الألعاب تمارس فيه علناً وتتحول لاحقاً إلى حِرف وطبيعة إنسانية ضد الطبيعة.
* إذن.. كوني واعية.. ولا تعفي نفسك من المسئولية, فكل الأطفال الذين تم اغتصابهم كانت أمهاتهم فى غفلة بعيداً عنهم.. منشغلات بشئونهن العامة والخاصة ولم يجدن حينها سوى الندم والدموع.
*تفقّدي أطفالك باستمرار.. وابحثي عن من هم أهل للثقة ليعينوك في رسالتك، ففي الغالب ستكونين أماً عاملة تسعى لتأمين مستقبلهم ولا يجوز أن يكون ذلك أبداً على حساب مستقبلهم أيضاً.
تابعيهم في المدرسة والروضة.. وعندما يقترب زمن عودتهم تفرغى لاستقبالهم واحرصي على جعلهم يسردون عليك تفاصيلهم اليومية بتلقائية تتحول لعادة دون أن تشعريهم بأنك تحققين معهم, لا داعي لخروجك للجيران أو الدكان أو (خت الحنة) في زمن تلك العودة, فكم من طفل عاد به (الترحيل) أدراجه لأنهم وجدوا الباب مغلقاً بسبب غيابك أو استسلامك للقيلولة أو إسترخائك لسطوة (الحنة).. كل ذلك (ملحوق) ولكن إحساسه بالغبن والضياع حينها لا يضاهى.. وإحساس معلمته بالحنق والاستنكار أيضاً غير مطلوب.
* أحيطي علاقتك الخاصة مع والده بسياج من السرية والوعي… فكم من طفل حكى لمعلمته وأصدقائه عن مشهدٍ ليلي لوالديه وهو لا يعي تفاصيله ولا أبعاده.. فتجده إما مفزوعاً مما رآه وتصوره اعتداء جسدياً من نوع آخر, أو مدفوعاً بفضول التجريب والمحاكاة… وكلاهما شر. وإن كان هذا لا يمنع ضرورة اجتهادك في الإجابة على أسئلته الحائرة في هذا الإطار وتمليكه المعلومة الصحيحة والمنطقية قدر الإمكان وفق ما يتوافق مع عمره.
تلويح:
كوني واعية .. وصادقة.. وقوية .. واستميتى في الدفاع عن أطفالك بكل ما تمنحه لك الأمومة من حدس وطاقة….وتذكري أن أمومتك تلك أقوى أسلحتهم ضد مخاطر الحياة.
داليا الياس
الصيحة
يا سلام
كعادتك دايما كتابتك في الصميم