الآن حان أن نروي قصة تهريب “أبو عمار” المحاصر في عمان إبان مجازر أيلول الأسود في الأردن عام 1970…
كان “النميري” ووفده المرافق في العاصمة الأردنية عمان يتعرضون لقصف شديد من بعض أفراد من الجيش الأردني الذي كان يريد إيقاف تفلتات المنظمات الفلسطينية التي استباحت عاصمتهم في العام 1970 ويرى في اتهامات عبد الناصر الإعلامية لمليكهم “الحسين” تجنياً عليهم …
ضم وفد “النميري” السيد “حسين الشافعي” نائب الرئيس المصري “عبد الناصر”، والشيخ “سعد العبد الله الصباح” ولي العهد الكويتي، والسيد “الباهي الأدغم” رئيس الوزراء التونسي، الرئيس التونسي آنذاك الحبيب “بورقيبة” كان أول من طالب بالتطبيع مع دولة الكيان الصهيوني من الرؤساء العرب في العام (1960م)، والفريق “محمد أحمد صادق” رئيس هيئة الأركان المصرية.
المقدم “عبد اللطيف دهب عبد اللطيف” تخرج برتبة الملازم ثاني عام 1955م ضمن أفراد الدفعة السابعة في الكلية الحربية السودانية، وقد كان حينذاك (إبان زيارة “النميري” ووفده إلى عمان في سبتمبر 1970م) يدرس في كلية القادة والأركان بالأردن..
المقدم “عبد اللطيف” كان له علاقات طيبة مع بعض القادة الفلسطينيين في عمان، وطلب منهم تسليمه قائد منظمة (فتح) المحاصر “ياسر عرفات” ليوصله إلى “النميري” كي يذهب به إلى القاهرة، حيث يتواجد الرؤساء العرب في اجتماع للقمة مع “جمال عبد الناصر” ..
كان الرؤساء العرب المجتمعون في قاهرة المعز آنذاك على سبيل المثال لا الحصر، الملك “فيصل” والرئيس “هواري بومدين” والعقيد “معمر القذافي” والشيخ “جابر الأحمد الصباح” ولم تكن دولة الإمارات قد انشئت بعد!!
في مساء اليوم التالي سلم الفلسطينيون من جماعة (فتح) الذين يتزعمهم الآن الرئيس “أبومازن” رئيسهم “أبا عمار” للمقدم السوداني “عبد اللطيف دهب” الذي اخترق به سبعة حواجز مختلفة (جيش أردني، منظمة الجبهة الشعبية، منظمة القيادة العامة، منظمة (فتح) ولم تكن منظمة حماس قد تكونت بعد!) إلى أن وصل به إلى السفارة المصرية في عمان، حيث يتواجد “النميري” والوفد المرافق له…
كانت شجاعة منقطعة النظير إذ إنه قد أخفى “عرفات” في ملابس امرأة منقبة وليست محجبة …ألبس المقدم ابن حلفا القديمة “عبد اللطيف دهب” “أبي عمار” البرقع، وكل ما أمكنه التحصل عليه من ملابس داخلية نسائية وغيرها ليتمكن من تهريبه ولضمان سلامته الشخصية وليستمر النضال الفلسطيني، والحرب خدعة، كما قال رسولنا الكريم (صلي الله عليه وسلم).
المقدم “عبد اللطيف” تحرك بـ”ياسر عرفات” بعد صلاة المغرب، وكان يقول جملة واحدة في كل معبر وحاجز من الحواجز السبعة…
( المقدم “عبد اللطيف دهب عبد اللطيف” دارس بكلية القادة والأركان عمان)
كانوا ينظرون إلى بطاقته والى داخل السيارة ويهمهمون لبعضهم البعض (معه حرمة)
كان الفريق “عبد اللطيف” كمثل غيره من أبطال السودان عسكريين وغيرهم يريد الاحتفاظ بالقصة وأسرارها في صدره إلى أن يذهب بها إلى قبره …
كان من المؤكد أنه وفي حالة ضبطه في أحد الحواجز من الجيش الأردني وهو يهرب “أبوعمار” أنهم سيقطعونه إرباً إرباً..
من المؤكد أيضاً أنه كان سيلقى نفس المصير إذا تم ضبطه بواسطة جماعة “جورج حبش” أو “نايف حواتمة”.
بحمد الله أفلح في الوصول به إلى الصالون الذي كان به الرئيس “النميري” ووفده .
قام أولا بتقديم التحية العسكرية للنميري قائلاً له :
قمت بتنفيذ التعليمات سيادتك
وقام برفع البرقع أو الجلابية النسائية عن “أبي عمار”، وكانت لحظة مدهشة أن تعرف الوفد على السيدة المنقبة التي كانت ترافق المقدم “عبد اللطيف” على أساس أنها زوجته …
بعد العناق والسلام طلب “النميري” من “دهب” تسليمه “ياسر عرفات” في المطار، وكان ذلك يعني أن على المقدم “عبد اللطيف” اجتياز ثلاثة حواجز أخرى وهو يخفي “أبوعمار”، وقد فعل …
هذه هي القصة الحقيقية لما دار في سبتمبر 1970 بعاصمة الأردن عمان قبل وفاة “جمال عبد الناصر” بأيام في 28 سبتمبر 1970م عليه الرحمة ..
كما قلت في مقدمة هذا الإفادة فإن زمن الغتغتة والدسديس قد انتهى يا عرب ..
لم يكن لطيفاً ولا مناسباً أن ينبري بالإساءة للسودان ولقواته المسلحة وشعبه “صائب عريقات” أو “أبومازن” أو غيرهما من الفلسطينيين الذين تناوبوا على قناة (الجزيرة) في التجني علينا ..
قوة دفاع السودان كانت هي الجيش العربي الوحيد الذي شارك في الحرب العالمية الثانية من أجل تقرير مصير للشعب السوداني وحماية الأرض والعرض في ليبيا وشمال أفريقيا وشاركوا في منع “رومل” من التقدم إلى مصر ..
قدمنا الشهداء على أرض فلسطين من المتطوعين في العام 1948..
حارب جيشنا السوداني على رمال سيناء فب العام 1967 من أجل فلسطين وشارك عام 1973 في نصر أكتوبر
الأميرلاي “أحمد الشريف الحبيب” قاد قوات الجامعة العربية عام 1961 ليحمي الكويت من رئيس العراق الزعيم “عبد الكريم قاسم”، والقائم مقام “صديق محمد طه الزيبق” قاد كتيبة أخرى لنفس الغرض فى العام 1962، وقام بتأسيس الكلية الحربية الكويتية في وقت لاحق ..
هل يعلم العرب أن جيشنا كان يؤدي واجبه الأفريقي والعربي في آن واحد معاً ؟
جيشنا كان فى عامى 1960 و1961 يحارب في الكونغو، هو يلبس قبعات الأمم المتحدة واستشهد له عدد من الضباط والجنود، وتغيرت قوات القائم مقام “أحمد حسن العطا” بقوات القائم مقام “عبد الحميد خير السيد” ..
تدرج المقدم “عبد اللطيف دهب” في الرتب حتى وصل الى رتبة الفريق، وعمل قائداً للقيادة الشرقية، ومفتشاً عاماً للقوات المسلحة، ونائباً لرئيس هيئة الأركان للإدارة، وأخير عمل سفيراً للسودان بالمملكة العربية السعودية إبان حكم الملك “خالد بن عبد العزيز” ..
انتقل الفارس والضابط المتميز “عبد اللطيف دهب عبد اللطيف” إلى الرفيق الأعلى بقاهرة المعز، وُورى الثرى بمقابر “فاروق” حسب رغبته جوار قبر عمه “داؤود عبد اللطيف” وباقى العترة المباركة من أهله الذين سبقوه في الثامن من يونيو عام 2013 رحمه الله واحسن إليه .
هذا تاريخ غير مكتوب ويجب أن يوثق
احمد عبدالوهاب
المجهر