خطاب آخر الليل

* عندما يختار المسئول التنفيذي الأول في الدولة أن يخاطب شعبه في ساعة متأخرة من الليل ينبغي أن تتوافر لديه مسببات قوية، ومسوغات كافية، تجعله يسهر بمواطنيه، ليحوي خطابه ما يستحق هجر المضاجع، ودرء النعاس عن العيون المنهكة.
* تُلقى مثل هذه الخطابات في العادة لإعلان حربٍ، أو إشهار هدنةٍ أو استقالةٍ، ويمكن أن تلي كارثة وطنية مروعةً، أو إنجازاً لافتاً لا يحتمل إعلانه التأخير، لذلك انتظر غالب أهل السودان خطاب الدكتور عبد الله حمدوك بترقبٍ شديد، ظناً منه أنه سيحمل ما يستوجب إلقاءه في ساعة متأخرة من الليل.
* سهروا وانتظروا وفوجئوا برئيس وزرائهم يردد ذات ما ذكره لهم وزير إعلامه قبل أربعة وعشرين ساعة، ليتحدث عن تكوين لجنة تحقيق في الأحداث التي صاحبت مسيرة الخميس، ويقول حديثاً معمماً عن المسئوليات التي يضطلع بها، وسعي الأمة إلى فتح صفحة جديدة من تاريخ الوطن، عنوانها الحرية والسلام والعدالة، ويتطرق إلى مصاعب تواجه حكومته، وتتطلب صبراً ومثابرة وعملاً مشتركاً لإنجاز شعارات الثورة ومهامها.
* لم يحوِ خطاب حمدوك ما يبرر إلقاءه آخر الليل.
* فوق ذلك فقد تم نشر الخطاب مصوراً بواسطة الوكالة الرسمية للأنباء في الدولة (سونا)، من دون مونتاج، ليظهر قبله د. حمدوك وهو يتساءل عما إذا كان حديثه المسجل سابقاً سيحذف أم لا.
* ذلك التضارب المخل، والخلط المزعج يطعن في مهنية الفريق الإعلامي المحيط برئيس الوزراء، كما يدل على أن (سونا) توظف من لا يتقنون عملهم، ولا يؤدونه كما ينبغي، بدليل أنهم أحرجوا حمدوك، ودعموا التكهنات والإشاعات التي زعم مروجوها أن رئيس الوزراء بدَّل بيانه، وقال ما لم يكن يعتزم ذكره، استجابةً منه لضغوط ورجاءات أتته قبل أن يلقي خطابه الليلي مُبهم الدوافع.
* فوق ذلك فقد استغربنا إقدام رئيس الوزراء على توجيه النائب العام بالتحقيق في أحداث العنف التي صاحبت مواكب الأيام الماضية.
* ليس من حق رأس السلطة التنفيذية أن يوجه أي أمر إلى النائب العام، لأنه لا يتبع له، ولا يأتمر بأمره، وليس من مهامه أن ينفذ أي تعليمات تأتيه من أي جهة تنفيذية.
* النيابة جهة مستقلة بنص القانون الذي يحكم عملها، وقد كان بمقدور رئيس الوزراء أن يكلف وزير العدل بالتحقيق في الأحداث التي يرغب في استجلاء كنهها، ومعرفة ملابساتها، لا أن يولج النيابة في ما لا شأن لها به، لأنها لا تتبع به، ولا تتلقى التعليمات منه، وإلا فقدت استقلاليتها، وأصبحت تابعاً ذليلاً للجهاز التنفيذي.
* ثم.. من حقنا أن نتساءل عن سر الميل الغريب إلى تكوين لجان للتحقيق بواسطة مسئولي السلطة الانتقالية في كل صغيرة وكبيرة تحدث في بلادنا.
* كم يبلغ عدد لجان التحقيق التي تكونت في الشهور الماضية؟
* ماذا أنجزت حتى يتم تعزيزها بلجنة جديدة، يمكن لأي وكيل نيابة مهني أن يتولى مهامها، ليستجلي حقيقة ما حدث من دون أن تتكبد الدولة نفقات إضافية لخزينة عامة خاوية على عروشها.
* لو استجاب النائب العام لقرار حمدوك فسينتهك قانونه ويزدريه، ولو تجاهله ورفض تنفيذه فسيصيب هيبة السلطة التنفيذية في مقتل، فكيف الحل؟

مزمل ابوالقاسم
اليوم التالي

Exit mobile version