ليس بحمدوك وحده

عشية أداء حمدوك اليمين الدستورية رئيساً للحكومة كتبتُ في هذه الزاواية نصاً، وكم أرى نفسي بحاجة إلى تكراره بعد نصف عام، فاسمحوا لي: (اختيار حمدوك لرئاسة الوزراء ليس كل شيء، لكنه قطعاً يمثل بارقة أمل في عتمة مشحونة بالإحباطات، أو بمثابة ضوء في آخر النفق المظلم، ومع ذلك فإن نسج القصص والروايات التي تصوره بنصف (نبي) يجب ألا نبني عليها قصور الآمال، حتى لا تنهار على رؤوسنا فنعود لدائرة إحباط أكبر وأقتم.. وأخشى أن نقتل نحنُ السودانيين بارقة الأمل هذه بأفعالنا نحن لا بأفعال غيرنا، وأخاف أن نُطفئُ الجذوة التي لاح نورها بأيدينا لا بيد عمرو.
إذا تصورنا أن حمدوك هو المخلص والمنقذ الوحيد الذي يحمل عصا سحرية لحلحلة كل مشكلاتنا العصية واتكأنا على هذا الحلم الوردي، نكون قد قتلنا الأمل وأطفأنا السراج الذي يضيء لنا العتمة في طريقٍ ملؤه الشوك والتعاريج. إذا جَبُنَّا عن مواجهته بأخطائه خوفاً من عقوبة أو حرمان مما بيد السلطان، أو تهيُّباً لهالة الملك والصولجان أو طمعاً في ما بين يديه، أو تزلفاً لجلاله، نكون قد وضعنا أول لبنة في صناعة الطغيان والاستبداد، وبذا نكون قد قتلنا الأمل وأطفأنا السراج، فالطغاة يصنعهم الجبناء والمداهنون.
إذا عادت القوى السياسية لغيها وضلالها القديم في الصراع السياسي والتنازع على الملك والمواقع و (الحَفِرْ) والمكر السيئ الذي تجيده بامتياز واستهوتها لُعبة المحاصصات، سنكون قد قتلنا الأمل وأطفأنا السراج.
إذا لم نكن جميعاً في صعيد واحد ضد الخطاب العنصري والتعصب الأعمى للقبيلة وإثارة الكراهية، نكون قد قتلنا الأمل وأطفأنا السراج وسبحنا في الدماء.
إذا لم نكن يداً واحدةً لمحاربة الفساد والمحسوبية والرشاوي ونتعلم ثقافة احترام القانون ونعلي شأنه، نكون قد قتلنا الأمل وأطفأنا السراج.
الدول لا يبنيها الأفراد مهما علا قدرهم ومؤهلاتهم وخبراتهم، وأمجاد الأمم لا يصنعها الأشخاص مهما أوتوا من قوة وبسطة في العلم، ولكن تُبنى بالاصطفاف نحو الهدف القومي المنشود وشحذ الهمم وتوجيه كل الطاقات لتحقيقه دون عزل لأحد.
وانطلاقاً من الحقيقة المجردة أعلاه، نقول إن حمدوك وحده لن يستطيع أن ينتشل راحلة الوطن الغارقة في الأوحال إلا بمساعدة الجميع، كل بما يستطيع من دفع الأذى عن الوطن الجريح الذي عانى كثيراً ومازال، وما يستطيع حمدوك فعله هو التخطيط السليم للخروج من مأزق الأوحال والطين و (الخبوب) وإشراك الجميع في عملية إنقاذ الوطن، وبإمكاننا جميعاً مساعدته كلٌ من موقعه، ليترك المضاربون والمرابون والوسطاء النشاط الطفيلي الذي دمّر اقتصادنا القومي، وليشد المنتجون إزارهم، وليستريح المهربون قليلاً من المطاردات، وليَعُفّ كبار اللصوص بضع سنوات عن المال العام، وليترك الساسة صراع الأفيال على كراسي السلطة، فقط لأن الحصة وطن.. وليؤسسوا لمعارضة راشدة مسؤولة لا تقل مسؤولية عن الحكومة.. ولنتذكر دائماً الحقيقة التي لا تحتمل الجدل والمغالطات: إن هذه هي حكومة ثورة الشعب السوداني وليست حكومة قوى الحرية ولا المؤتمر الوطني ولا حزب الأمة ولا ائتلاف السيدين… حكومة محددة المهام، محدودة الأجل، وظيفتها العبور بالوطن إلى دولة القانون والمؤسسات التي تصون الحقوق والحريات، أما التأهب لإسقاطها وعرقلة مسيرتها، إنما يعني الوقوف ضد مطالب الشعب السوداني وثورته ورغبته في الانعتاق ودولة حقوق الإنسان… الـلهم هذا قسمي في ما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الـله، وثق أنه يراك في كل حين).

احمد يوسف التاي
الانتباهة

Exit mobile version