-١- أكمل الطهاة أمس مهمة إنجاز وجبة الغداء من خراف قدمها قراء ومتعاطفون مع صحيفتنا،بمناسبة استئناف الصدور .
استعد العاملون بالصحيفة وزوارهم من الزملاء والقراء لتناول الطعام.
كانت المفاجأة انعدام الخبز في وسط الخرطوم واﻷحياء المجاورة مع استحالة الحصول على الكمية الكافية.
اقتربت الساعة من الرابعة عصرا ،الطعام جاهز والخبز معدوم والجوع سيد الموقف.
بعض المطاعم أغلقت أبوابها قبل منتصف النهار ،من الواضح أن أزمة الخبز بلغت ذروتها، مع انتهاء الميقات المضروب من قبل الوزير مدني عباس مدني بإنهاء اﻷزمة خلال ثلاثة أسابيع!
-٢-
فاجأتنا اﻷستاذة ميرفت مخلوف ذات الأصول المصرية، مديرة العلاقات العامة في الشركة بإنجاز فطائر ما بين (القراصة والكسرة) لتغطي على غياب الخبز عن المائدة.
أسررت لبعض الزملاء ونحن ننظر لميرفت وهي تنجز تلك المهمة الصعبة في الزمان والمكان ،بكل همة ونشاط،كأنها في عملية عسكرية أو واجب مقدس.
ميرفت جاءت من ثقافة مجتمع محب للعمل واﻹنتاج، يبحث عن الحلول في كل أزمة يتعرض لها مهما كانت الصعوبة وضيق المخارج.
أما ثقافتنا في هذا الوجه فتبدو سالبة ، فنحن مع كل فرصة تاتي على طبق من ذهب وسانحة تلوح في اﻷفق ،نشغل أنفسنا بالبحث عن الثغرات والمنقصات
وتبادل الاتهامات حتى تهدر الفرص أو تفقد قيمتها.
-٣-
خلال هذا الشهر أصبح الوقت لا يكفي لإنجاز المهام اليومية.
صفوف الخبز لا تنتهي، إلا لتنتظم من جديد.
الخبز يصغُر يوماً بعد يوم، ويصعب الوصول إليه ساعةً بعد ساعة.
البعض في تحليل اﻷزمات مولع بنظرية مؤامرة، فهي بسيطة وغير معقدة وتوفر تفسيرات؛ سهلة الاستهلاك، وسريعة الهضم.
تجد من يفسر اﻷزمات الخانقة المعاشة اﻵن بأنها مصنوعة من قبل جهات داخل السلطة -في الإشارة للعسكريين.
تريد أن تمهد اﻷوضاع لتغيير قادم عبر ثورة ارتدادية مضادة.
وآخرون مسكونون بهواجس ووساوس الدولة العميقة يرون فيما يحدث مؤامرات كيزانية لإفشال حكومة حمدوك!
-٤-
المعطيات الموضوعية تنفي السيناريو اﻷول والثاني :
اﻷول / مهما ضاق حال المواطنين فلن يكون خيارهم في الوقت القريب، إعادة إنتاج نظام عسكري جديد.
مصدر استبعاد السيناريو الثاني:
اﻹسلاميون يدركون قبل غيرهم أن أزمتهم أصبحت مجتمعية ونفسية لا سياسية وأن الدورة التاريخية لحكمهم قد انتهت في السادس من أبريل.
الأمر الثاني اﻹسلاميون أثناء حكمهم عانوا من ذات اﻷزمات الراهنة وأشد منها، وأودت بسلطتهم إلى مصير السقوط.
-٥-
اﻷزمات الراهنة لا علاقة لها بالمؤامرات بغض النظر عن مصدرها.
الحقيقة التي يجب أن تقال :نحن أخطر المتآمرين على أنفسنا!!!
اﻷزمة في اﻷساس ومأساتنا في الواقع، ثقافة مجتمع لا مبال وغير معني بالإنتاج وغير حريص على التطور ينتظر الحكومات كل صباح لتفعل كل شيء وتحقق له كل ما يحتاج ويتمنى.
اما الحكومات في اليوم واﻷمس فظلت تدير الاقتصاد بالاستجداء والتسول في اﻹقليم والتبضع في المواقف وكسب التعاطف الدولي بالأزمات الإنسانية !
-٦-
رغم خيرات الأرض وجري الأنهار ،فيدنا دائما هي السفلى تتقبل العطايا وتستجدي المعونات و(عينا في الواطة) .
لذا أول ما انتهت منحة القمح الخليجية قبل شهر تطاولت الصفوف وخف وزن الخبز وغاب عن المخابز والمطاعم .
حتى اضطرت أمس بنت الشيخ مخلوف أن تنهي يوم عملها الوظيفي بمواجهة النار لصناعة فطائر (قدر ظروفك) لضيوف السوداني!
ضياء الدين بلال