السودان وألمانيا.. تعزيز العلاقات الثنائية

السودان يمثل جزءاً مهماً للدول الأوروبية من خلال موقعه الاستراتيجي بين الدول العربية والأفريقية، و امتلاكه لإمكانيات وموارد طبيعية هائلة جعلته محل اهتمام كافة الدول الأوروبية ومن بينها ألمانيا.

مرت العلاقات السياسية بين السودان وألمانيا منذ استقلال السودان بمراحل مد وجذر، وكانت العلاقات تأخذ شكل التوتر أحياناً إلا أنها سرعان ما تستقر حيث انتهجت ألمانيا سياسة كانت في معظم الأحيان تقوم على الفهم والتشجيع المتبادل، فمسيرة العلاقات السودانية الألمانية تعود إلى حقبة ما بعد الاستقلال مباشرة في العام 1958م، تلقى السودان في ذلك الوقت مساعدات اقتصادية وفنية من ألمانيا الاتحادية، ونبع الاهتمام الألماني بالسودان، من واقع الخصوصية التي يتمتع بها السودان من ناحية استراتيجية سياسية واقتصادية ، ولاعتقاد ألمانيا أن السودان يمثل حلقة الوصل بين العالمين العربي والأفريقيا تطور هذا الدعم فبلغت المعونات الألمانية للسودان من عام 1959م إلى عام 1991م مبلغ 367 بليون مارك ألماني ، كما بلغت المعونات الألمانية التنموية لعقد التسعينيات 11.5 بليون مارك والتي تمثل 41% من الناتج القومي الألماني.

وقامت ألمانيا بإنشاء وزارة للتعاون الاقتصادي في عام 1961م لتشرف على مختلف برامج العون الاقتصادي للدول النامية، وكانت مهمتها الأساسية هي تقديم المساعدات التنموية للبلاد النامية.

وتعتبر المنظمة الألمانية للتعاون الفني المحدودة التابعة للحكومة من أهم المنظمات التي تنفذ عن طريقها المعونات إلى كثير من الدول وأشرفت المنظمة على مشاريع متعددة في السودان منها مشاريع على حفظ المصادر الطبيعية والغابات في جبل مرة وكتم، ومشروعات الصحة الأساسية في كل من كسلا وسنكات، ومشروع تدريب المهنيين في ود مدني ومشاريع اللاجئين في مناطق الشوك والقضارف، كما أسهمت مؤسسة فريد ريش أيبرت الخيرية والتي تعمل في السودان في مجالات التدريب الفني والعمالي والنسائي، وترعى المؤسسة الندوات الفكرية حول قضايا التنمية والاستقرار.

وأسهمت ألمانيا في تنفيذ كثير من المشروعات الكبرى في السودان مثل خزان الروصيرص وخزان القربة وكبرى شمبات وكثير من المشاريع الأخرى والتي أسهمت فيها بعض الشركات الألمانية الخاصة. وقدمت ألمانيا في فترة الستينيات الدعم للتلفزيون السوداني، كما قامت بإنشاء مصانع للسكر ومحطات للكهرباء والطرق ومراكز التدريب المهني وأنشأت ألمانيا الكثير من المؤسسات الثقافية والتعليمية في الخرطوم ، وتضع ألمانيا عدة شروط لاستمرار دعمها وتعاونها مع الدول في المجال الاقتصادي والفني منها حقوق الإنسان والديمقراطية والإصلاح الاقتصادي في الدولة المعنية بتقديم العون لها.

شهدت العلاقات السودانية الألمانية في ظل ثورة الإنقاذ الوطني تدهوراً في السنوات الأولي من بداية عهد ثورة الإنقاذ الوطني كبقية الدول الغربية لانقلاب الإنقاذ على الحكومة المنتخبة في الخرطوم، إلا أنه رغم ذلك تم الاحتفاظ بالتمثيل الدبلوماسي بين البلدين، وذلك لأن ألمانيا ترى ان تغيير الحكومات لا يؤثر في العلاقة بين الدول فكانت السياسات الألمانية تنطلق من أن السودان يشكل جزءاً هاماً للدول الأوروبية ويأتي في نسق السياسة الكلية للدول الأوروبية تجاه الشرق الأوسط وأفريقيا، وتغلب الطابع الاقتصادي على العلاقات بين البلدين، باعتبار أن ألمانيا من الدول الصناعية الكبرى، كما تعتبر من إحدى أكبر الدول الصناعية الداعمة للسودان.

وعقب ثورة ديسمبر المجيدة وتولي الحكومة الانتقالية أبدت ألمانيا حسن نواياها نحو السودان بابتدار وزير الخارجية الألماني هايكو ماس أول زيارة لمسؤول أوروبي بعد توقيع وثائق الفترة الانتقالية وتشكيل مؤسسات الحكومة الانتقالية في سبتمبر 2019 ، وأعقبها زيارة وزير التعاون الاقتصادى والتنمية الألمانى جيراد مولر، وتأكيده بإن وزارته ستدعم السودان بميزانية تقدر بحوالى 80 مليون يورو فى مجال الطاقة والبنية التحتية ، بالتركيز على زيادة الإنتاج فى السودان حتى يكون سلة الغلال فى أفريقيا وعلى دعمه فى مجال التعليم التقني، وتوجت الزيارات، بزيارة رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك الى المانيا للمشاركة فى مؤتمر الامن الاوروبي المنعقد بمدينة ميونخ فى الفترة من 14 –الى 16 من الحالي.

المستشارة الألمانية إنجيلا ميركل رحبت برئيس الوزراء السوداني في ألمانيا وقالت إن بلادها ظلت تتابع تطورات الأوضاع بالسودان منذ اندلاع الثورة التي وصفتها بأنها تمثل انموذجا ملهما للتطلع نحو الديمقراطية والحكم الرشيد. وأكدت دعم بلادها للحكومة الانتقالية بالسودان حتى تحقق النجاحات وتلبي تطلعات الشعب السوداني التواق لعملية انتقال سلس نحو حكم ديمقراطي.

من جانبه قدم د. عبد الله حمدوك التحية شكره للحكومة الألمانية علي حسن الاستقبال وكرم الضيافة واوضح أن اللقاء تأتي أهميته أنه جاء بعد يوم واحد من قرار البرلمان الالماني رفع الحظر التنموي عن السودان مما يؤكد موقف ألمانيا الثابت كشريك فاعل في عملية التحول الديمقراطي بالسودان وحرصها علي نجاح هذه الفترة الهامة والدقيقة من تاريخ البلاد.

وأجمع عدد من الخبراء على أن زيارة رئيس الوزراء نقطة البداية لتحسين العلاقات بألمانيا.

ووصف بروفيسور عبد العظيم المهل الخبير الاقتصادي الزيارة بالمهمة مضيفا انها جاءت فى توقيت مهم لجهة أن دولة المانيا دولة مفتاحية للاتحاد الاوروبي ومشاكل السودان الاقتصادية وزاد قائلا يكفي ان هذه الزيارة ساهمت فى رفع الحظر الاقتصادي الاوربي عن البلاد.

ورحب القيادي بالحزب الشيوعي السوداني سليمان حامد باستئناف الدعم التنموي الالماني للسودان قائلا “ان اي اعانة تاتي للسودان في هذه المرحلة تدعم الثورة والتحول الديمقراطي” ، مستنكرا بان تكون الاعانات محددة الاغراض او اوجه صرف معينة او تخصيص مبلغ الدعم لشراء منتجات المانية الصنع ،منوها الي اهمية تحديد الحكومة السودانية لحوجة البلاد ،معددا حوجة البلاد الملحة في هذا الوقت للمواد البترولية ومشتقاتها .

الى ذلك رهن الاقتصادي كمال كرار حل إشكالات الاقتصاد السوداني بحلها داخليا،لافتا الانتباه الى ان المساعدات مهما كان حجمها لا تغني عن اهمية تحريك الاقتصاد بإعادة تأهيل القطاعات الإنتاجية الحقيقية كالزراعة والصناعة، مشيرا الى تجارب العديد من الدول بالاعتماد على مواردها الذاتية .

هذا وقد طالب المهل بالترتيب الجيد لأولويات الدولة السودانية معربا عن أمله فى أن يكون التعاون فى مجال الطاقة الشمسية فى صدارة سلم أولويات البلاد على أن تأتي المساعدات الاخرى خاصة المالية فى ذيل هذه الاولويات مع توطين التكنولوجيا الالمانية المتقدمة فى السودان داعيا للاستفادة من التجربة الالمانية فى مجال البنيات الأساسية مع حفز الجانب الالماني لتمويل مشروعات السكك الحديدية والكهرباء بالبلاد عن طريق البوت معربا عن امله فى ان يستفيد السودان من التجربة الالمانية فى مجال البحث العلمي وتأهيل اساتذة الجامعات خاصة فى المجال التقني والتقاني .

وكان د. عبدالله الرمادي الخبير والمحلل الاقتصادي قال إن الزيارة تستمد أهميتها فى هذا الوقت بالتحديد لصعود دولة ألمانيا وتربعها على عرش الاتحاد الاوروبي كقوة كبرى اقتصاديا وسياسيا وذلك بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي اضافة الى المصالح المشتركة بين السودان وألمانيا والتي تتمثل فى العديد من الواردات السودانية من المانيا والتي من بينها المعدات الطبية والصناعية والادوية بجانب تطلع دولة المانيا للاستفادة من الثروات والامكانيات الطبيعية التي يتمتع بها السودان مثل الثروة المعدنية والحيوانية والإنتاج الزراعي خاصة الصمغ العربي الذي ينتج منه السودان اكثر من 80% من الاتناج العالمي الذي تحتاجه دولة المانيا للعديد من صناعاتها مثل صناعة الادوية والمواد الغذائية وغيرها مما يجعل العلاقات والروابط الاقتصادية بين البلدين من القوة بمكان .

وأشار الرمادي الى اهتمام دولة ألمانيا وتفعيل دورها لاستئصال بؤر الصراعات فى الشرق الاوسط بما يخدم رؤيتها الجديدة فى هذه المنطقة والتي ترتكز على دعم الشراكات الاقتصادية مع الدول الرئيسية فى الاقليم بما يخدم المصالح القومية لدولة ألمانيا .

وفي سياق متصل اكد د. محمد الناير الخبير والمحلل الاقتصادي على أهمية هذه الزيارة فى إعادة التعاون الاقتصادي التنموي بين البلدين إضافة الى ان دولة المانيا يمكن ان تلعب دورا محوريا فى تطبيع علاقات السودان الاقتصادية مع دول الاتحاد الاوروبي ورفع اسم السودان من القائمة الامريكية للدول الراعية للارهاب كما تتيح الزيارة استعراض المشروعات السودانية المراد تمويلها خاصة ان دولة المانيا لها مساهمات مقدرة فى دفع مسيرة التنمية الاقتصادية بالبلاد مشيرا الى اهتمام الجانب الالماني بالسودان خاصة بعد اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة بغرض تحقيق أهداف الثورة المتمثلة فى تحقيق العدالة والحرية والسلام .

/تقرير الهيئة الاقتصادية //

الخرطوم 16-2-2020م (سونا)

Exit mobile version