المشهد الإعلامي بالسودان .. مخاوف من تراجع الحريات

يتأرجح المشهد الإعلامي في السودان جراء المطبات السياسية والأمنية التي تواجه الحكومة الانتقالية بمكونها العسكري والمدني، بعد أن نجح الإعلام في دعم الحراك الثوري الجماهيري الذي انطلق في ديسمبر/كانون الأول 2018.

وفي ظل النظام السابق، تعرّض صحفيون لإجراءات تعسفية واعتقالات، ومارست السلطات المختصة تضييقا على الحريات الصحفية عبر تطبيق سياسة الرقابة القبلية ومنع العديد من الصحف من التوزيع بعد الطبع.

وبعد الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير في أبريل/نيسان 2019، تراجعت حملات التضييق على الحريات وإجراءات الرقابة القبلية، وانتعشت حرية التعبير، فاستبشر الصحفيون خيرا بأن الثورة في طريقها لإحداث تحولات في المفاهيم وبلورة شعاراتها المتمثلة في حرية وسلام وعدالة.

وفي 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 أجاز مجلسا السيادة والوزراء قانون تفكيك نظام “الإنقاذ” والذي قضى بإزالة تمكين حزب المؤتمر الوطني الذي حكم السودان 30 عاما.

وفي 7 يناير/كانون الأول 2020 كانت لجنة إزالة التمكين قد حجزت على صحيفتي “السوداني” و”الرأي العام” وقناتي “طيبة” و”الشروق” الفضائيتين، بالإضافة إلى إذاعة “الفرقان”، قبل أن تتراجع اللجنة وتُعيد الأخيرة إلى دائرة البث.

وبررت لجنة إزالة تمكين حزب المؤتمر الوطني ونظام الإنقاذ المعزول قرار المصادرة بالاشتباه في تلقّي هذه المؤسسات الصحفية والإعلامية تمويلا من نظام الرئيس المخلوع عمر البشير.

قرارات وانتقادات
وواجهت اللجنة انتقادات لاذعة على خلفية قراراتها التي وصفت بالكيدية والمعيبة، واعتبرها البعض ردة فعل واضحة على شعارات الثورة. ونظم العاملون بتلك المؤسسات وقفات احتجاجية.

وشكلت هذه المواقف ضغوطا كبيرة على لجنة إزالة التمكين التي وعدت بالإسراع في مراجعة هذه المؤسسات، وبدأت فعليا في إصدار قرارات بإعادة صدور صحيفة “السوداني”، مما عدَّه الكثيرون خطوة تصحيحية لرد الاعتبار لهذه المؤسسات.

ولم تنجُ الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون من التدخل الحكومي خلال الفترة الانتقالية، فقد شهدت الهيئة في الفترة من أبريل/نيسان 2018 وحتى فبراير/شباط 2020 تعيين ستة مديرين، وكان عاملون بالهيئة قد رفضوا في أكتوبر/تشرين الأول الماضي تعيين صحفي حديث التخرج هو ماهر أبو الجوخ مديرا للإدارة العامة للأخبار والبرامج السياسية بالهيئة.

ونظم العاملون بالهيئة وقفة احتجاجية رفضا لتعيين أي شخص من خارجها، ونددوا باتباع قوى الحرية والتغيير (الحاضن للثورة) نهج نظام الإنقاذ المعزول في التمكين بتعيين منسوبيها في المؤسسات الحكومية وفقا للمحاصّة السياسية.

ويشير الصحفي عمار عوض في حديث للجزيرة نت إلى تراجع الرقابة المفروضة على الصحف، ويقول إن المجال أصبح مفتوحا لحرية التعبير، وإن الثورة أنهت عهد الاعتقالات والمصادرات.

لكن علي المبارك نائب المدير العام لقناة “الشروق” ينتقد التضييق والحجر على الآراء الذي مارسته لجنة إزالة التمكين مع بعض المؤسسات الإعلامية بالحجز على الممتلكات بتهمة الاشتباه، مما يتنافى -حسب رأيه- مع شعارات الثورة.

ويستعرض المبارك في حديثه للجزيرة نت ما لحق بالعاملين في قناة “الشروق” من أضرار معنوية بمنعهم من ممارسة حقهم في العمل، إضافة إلى الضرر الذي طال أسرهم بالحرمان من تلقي العلاج عبر خدمات التأمين الطبي.

وكانت لجنة إزالة التمكين قد تعهدت بعد صدور قرارها بالحجز على ممتلكات وأصول الصحف والقنوات الفضائية، بألا يتضرر العاملون ماديا، لكنها أخفقت في توفير رواتب العاملين عن شهر يناير/كانون الثاني الماضي.

تداعيات 30 سنة
ويرفض الصحفي موسى حامد قراءة المشهد الإعلامي في السودان خلال الفترة الانتقالية بمعزل عن تداعيات 30 سنة من حكم نظام الإنقاذ البائد وما مارسه في حق الصحفيين من قمع ومصادرات واعتقالات وصولا إلى حد الاغتيالات.

وتوقع موسى في حديثه للجزيرة نت أن تمتد تأثيرات حكم الإنقاذ إلى سنوات قادمات، يعاني خلالها المشهد الإعلامي من مشكلات فنية وبنيوية ومهنية ونفسية.

ويقطع موسى بإمكانية تجاوز التعقيدات التي تكتنف المشهد الإعلامي سواء بواسطة الحكومة الانتقالية، أو عن طريق القطاع المُنتِج للعملية الإعلامية، أو بواسطة الإعلاميين أنفسهم.

ويشدد موسى على ضرورة التأهيل والتدريب لأنه “لا يقل أهمية عن الحريات التي قاتل من أجلها الإعلاميون طوال سنوات نظام الإنقاذ المعزول”.

ويؤكد الصحفي عمار عوض أن مناخ الحريات الذي أتاحته الثورة السودانية يعطي فرصة كبيرة لبناء مؤسسات إعلامية وصحفية تؤثر بشكل كبير في الحياة العامة، خاصة إذا ما أبعدت الدولة يدها عن الإعلام.
اعلان

وتحدث عوض عن التحديات التي تواجه الإعلام في الفترة الانتقالية، من أبرزها ضرورة بسط أكبر قدر من المعلومات أمام الأجهزة الإعلامية، وإتاحة الفرصة للنقاش والحوار بين القوى السياسية في الداخل والخارج.

المصدر : الجزيرة نت

Exit mobile version