“مع الحب”: كيف عبّر الأمراء والنبلاء عن عشقهم عبر التاريخ؟

أن تنجو رسائل حب من التلف والضياع لمئات السنين، قد يكون بحد ذاته نوعاً من سحر وغموض هذا الإحساس. أمّا المحافظة عليها بعد وصولها إلى غير أصحابها، فتعكس قيمتها التي لا تُقدّر بثمن.

افتتح الأرشيف الوطني البريطاني، معرضاً بعنوان “مع الحب” الأوّل من نوعه، اليوم، ليكشف على الملأ أسرار علاقات حميمة وعوالم خاصة جداً، تعود لمختلف طبقات المجتمع البريطاني. وقد نتساءل كيف أصبحت هذه الرسائل السرية جزءا من مجموعة الأرشيف الوطني، بيد أنّ جولة في أرجاء المعرض الصغير، تبيّن مصادرها المختلفة. منها ما وجد على متن سفن تمّ الاستيلاء عليها، ومنها ما كان بين أيدي الشرطة، ومنها ما قدَّمته جهات معنية. ويتضمن المعرض مجموعة من الوثائق الأصلية، يعود بعضها إلى القرون الوسطى، والرسائل التي تبادلها عشّاق خلال الحرب العالمية الأولى وغيرها.

كتابات، تصوّر مشاعر الحب والخسارة والحسرة والغيرة، لشخصيات تاريخية معروفة وجنود ودبلوماسيين وأشخاص عاديين من عامّة الناس، وتكشف عن التحدّيات التي واجهتهم وفق الزمن والظروف التي عاصروها. ومن أبرز الوثائق التي يقدّمها معرض “مع الحب”، صكّ التنازل الذي وقّعه ملك المملكة المتحدة، إدوارد الثامن. ففي يناير/كانون الثاني 1936، أصبح إدوارد الثامن ملكًا بعد وفاة والده جورج الخامس، وبعد أشهر من حكمه، نشأت أزمة دستورية عندما اقترح إدوارد الزواج من واليس سيمبسون، وهي مواطنة أميركية مطلقة من زوجها الأول، وفي خضمّ معاملات طلاقها الثاني. وكان الملك أمام خيارين، إما التنازل عن العرش أو الزواج من حبيبته. ضحّى إدوارد بالنفوذ والمال والتاج مقابل الحب، ووقّع صك التنازل في 10 ديسمبر/كانون الأوّل 1936 وأصبح يعرف باسم دوق ويندسور.

واللافت أيضاً، رسائل الحب التي كتبها جيمس رامزي، رئيس الوزراء البريطاني السابق من الطبقة العاملة، إلى الأرستقراطية مارغريت ساكفيل. إذْ وقع كلاهما في علاقة حب امتدّت من حوالي عام 1913 ولغاية 1928، وكانت إمكانية زواجهما مستحيلة بسبب التفاوت الطبقي واختلافهما الديني. يظهر شغف وشوق رامزي، لحبيبته في مجموعة من الرسائل، الموجودة الآن في المحفوظات الوطنية. ويقول في إحداها: “أريدك وأنت على بعد مئات الأميال ولا أستطيع حتى تقبيلك”. تقدّم رامزي طالباً الزواج من ساكفيل ثلاث مرّات، وقوبل عرضه بالرفض في كل مرّة. يعتقد البعض أنّ الاختلاف الديني شكّل عائقاً أساسياً، حيث كانت ساكفيل من الروم الكاثوليك وكان رامزي من الكنيسة المشيخية.

وهناك حوالي 150 رسالة من رامزي إلى ساكفيل في الأرشيف الوطني. احتفظت ساكفيل بها جميعها، لكن بعد وفاتها في عام 1963، لم تترك أي تعليمات حول ما يجب القيام به. لذلك أرسلها المدير المحلي لبنكها إلى لجنة المخطوطات التاريخية، ونقلت في ما بعد إلى الأرشيف الوطني عندما تأسّس في عام 2003.

تحت عنوان “العائلة” وضعت رسالة جيمس غيليسبي إلى ديفيد لويد جورج، رئيس الوزراء البريطاني، كونها تدلّ على تمسّك الرجل بزوجته وابنه وإصراره على مغادرة البلاد معهما، كما تظهر العنصرية ضد أصحاب البشرة السوداء آنذاك، وممّا جاء فيها: “سيدي أنا مواطن من جزر الهند الغربية البريطانية جامايكا. كنت بحاراً… تمّ تدمير منزلي في آخر أعمال شغب عنصرية في 12 يونيو 1919. تقدمت بطلب للعودة والأسرة عدة مرات، إلى وزارة الداخلية. مضت 4 أشهر منذ التقدم بطلب للحصول على مساعدات لمغادرة البلاد. إنني على استعداد لمغادرة البلاد في الحال مع زوجتي وطفلي (وليس بدون)… وأنا على ثقة يا سيدي أنّك سوف تتعاطف مع أحد أبناء بريطانيا حتى لو كان لونه أسود”.

نجد في المعرض أيضاً، رسالة من روبرت دادلي أحد النبلاء الإنكليز إلى الملكة إليزابيث الأولى. فضلاً عن رسائل عديدة تروي عن تضحيات ولوعة الفراق وأهميّة السمعة والمراكز الاجتماعية والانتماءات الطائفية التي كانت تقف حاجزاً في وجه هؤلاء العشّاق. ينظّم المعرض الذي يقام برعاية فريق من المؤرّخين في الأرشيف الوطني، الرسائل والوثائق تحت عناوين كبيرة تعكس مواضيعها، وهي: السمعة والتضحية والانفصال والأُسر والمشورة ووجع القلب والإرث. ويستمر “مع الحب” في الأرشيف الوطني من يوم “عيد الحب” ولغاية 5 يوليو/تموز. وسيتضمّن مجموعة مختارة من الفعاليات ذات الطابع الخاص، بما في ذلك الجولات التي يقودها أمين المعرض.

العربي الجديد

Exit mobile version