عرف الشعر العربي، حالات كثيرة من أدب الحب عن النساء يعلنّ فيه جهارا، مشاعرهن، وكتب فيه الكثير من المجلدات، ولم تكن الإشارة إلى شعر العشق، في التراجم، تحتاج تمهيداً أو مبررا، ذلك أن غالبية المصنفين العرب، تعاملوا مع الأثر الأدبي، كما هو، دون إقحام أي مبدأ يمكن له أن يعيق ترجمة النساء، عشقاً وولهاً، ومهما بلغت درجة المصارحة والمباشرة، في بعض الأحيان.
وفيما عرف من العاشقات المشهورات، ليلى العامرية حبيبة قيس بن الملوح، وعلية بنت المهدي بن أبي جعفر المنصور، 160-210هـ، وهي التي تقول:
بُني الحبّ على الجور فلو/ أنصف المعشوق فيه لسمج
ليس يستحسن في حكم الهوى/ عاشق يحسِن تأليفَ الحجج!
وأيضا، خديجة بنت المأمون الخليفة العباسي، وكانت تتغنى بمن يعجبها، صراحة. وكذلك الشهيرة منهن في شعر الحب، ولاّدة بنت المستكفي، فإن مصنفات العربية القديمة، كانت الشاهد البارز على ظاهرة الشاعرات العاشقات، حيث أعلنّ الحب ولم يكتمنه، ولدى كل واحدة منهن، ما يدفعها للإعلان والتصريح، بل والتغني، ومنهنّ من كانت تتباهى بجمالها الجسدي الخاص، كسلمى البغدادية أو المعروفة بسلمى ابنة القراطيسي.
وكانت سلمى مشهورة بالجمال، كما ينقل الإخباريون، وتتغنى بذاتها:
عيون مها الصريم فداء عيني/ وأجياد الظباء فداء جِيدي
مال جزيل لتصون جَمالها
وورد في (نفح الطيب) أن الخليفة المقتفي سمع بالقصيدة التي تتغنى فيها بنفسها، وأطربته، فسأل عن صفات المرأة تلك، فأخبروه أنها من “أعفّ الناس” فأرسل لها “مالا جزيلاً” من أجل أن “تستعين به على صيانة جمالها ورونق بهجتها”. ومثلها كانت صفية البغدادية الشاعرة، وينقل عنها:
أتَرى محيّاي البديع جماله/ وتظنّ يا هذا بأنك تَسلَمُ؟!
وكذلك حفصة بنت الحاج، المعروفة بالركونية أو الركوني، وكانت من المشهورات بالجمال والمال والحسب والنسب، كما يقول الإخباريون الذين أكدوا قتل رجلٍ، غيرة عليها. ومن شعرها في الحب:
سلام يفتّح في زهره الكمام/ وينطق وُرق الغصون
على نازحٍ قد ثوى في الحشا/ وإن كان تُحرَم منه الجفون
تغار عليه من كل شيء!
ومما ينسب إليها، ويقال بعده “والله أعلم” عند المصنفين، كدلالة على عدم الوثوق الكامل بأنه من شعرها:
أغارُ عليكَ من عَينَي رقيبي/ ومنكَ ومن زمانك والمكانِ
ولو أني خبأتك في عيوني/ إلى يوم القيامة ما كفاني
وينقل عنها من ترجمها، بأنها “من أشراف غرناطة” ويروى من شعرها بحسب ما نقله السيوطي في (نزهة الجلساء في أشعار النساء):
أزورك أم تزور فإن قلبي/ إلى ما شئته أبداً يميلُ
وهناك أُم الكرم بنت المعتصم بن صمادح، أو أم الكرام لدى البعض، وكانت أعلنت تعلّقها وشغفها بفتى مشهور يدعى “السمّار” وقالت فيه:
أيا معشر الناس ألا فاعجبوا/ مما جنته لوعةُ الحُبِّ
لولاه لم ينزل ببدر الدجى/ من أفقه العلويّ للتربِ
حسبي بمن أهواه لو أنه/ فارقني تابعه قلبي!
أجمل النساء نافست ولاّدة
وعندما علم بأمر الفتى الذي أعلنت فيه حبّها، يقول الإخباريون إنه “خفي أمره” مذ كشَف سرّه، أي فرّ هارباً من انتقام ما محتمل. ويتحدث عنها المصنفون بهذا الشكل: “عشقتِ الفتى، وقالت فيه”.
ومن الشاعرات العاشقات، أم العلاء بنت يوسف الحجارية، يضعها المصنفون بالسنة الخامسة للهجرة، وتقول:
تعطف العين على منظركم/ وبذكراكم تلذ الأذن
من يعش دونكم في عمره/ فهو في نيل الأماني يُغبَنُ
وكذلك الشاعرة التي تعرف بالغسانية البجانية، نسبة إلى بجانة، وهي تنسب إلى أعلام القرن الرابع الهجري، من النساء، وتقول:
عهدتهم والعيش في ظل وصلهم/ أنيق وروض الوصل أخضر فينانُ
لياليَ سعدٍ لا يخاف على الهوى/ عتابٌ ولا يخشى على الهجر هجرانُ
التغزل العفيف
أما المعروفة باسم مهجة القرطبية، أو التيانية لأن والدها كان يبيع التين، فقد نافست ولادة بنت المستكفي، بحسب الإخباريين الذين أكدوا أنها كانت على قدر هائل من الجمال وأنها من أجمل نساء زمانها وأدّبتها ولاّدة حتى جعلتها شاعرة. ومما ينقل عنها:
لئن قد حمت عن ثغرها كل حائمِ/ فما زال يحمي عن مطالبه الثغرُ
فذلك تحميه القواضب والقنا/ وهذا حماهُ، من لواحظها، السِّحْرُ!
وعرفت غرناطة شاعرة أخرى باسم مهجة، تسمى مهجة عبد الرزاق الغرناطية، وينقل عنها هذا الشعر بحسب الإخباريين الذين نسبوا هذين البيتين لشاعرة أخرى، هي حمدة بنت زياد التي توصف بإحدى المتغزلات المتعففات:
ولمّا أبى الواشون إلا فراقنا/ وما لهم عندي وعندك من ثارِ
غزوتهم من مقلتيك وأدمعي/ ومن نفسي بالسيف والسيل والنارِ
عربيات لأنهنّ حافظن على المعاني العربية
ومن الأندلسيات، أيضاً، حفصة بنت حمدون، وتوضع في القرن الرابع للهجرة، ويروي عنها السيوطي في أخباره عن شعر النساء هذه الأبيات:
لي حبيبٌ لا ينثني لعتابِ/ وإذا ما تركته زاد تيها
قال لي: هل رأيت لي من شبيهٍ/ قلتُ أيضاً: وهل ترى شبيها؟!
وينقل السيوطي: غرناطة، يقال لنسائها المشهورات بالحُب والجلالة، العربيات، لمحافظتهنّ على المعاني العربية، ومن أشهرهنّ: زينب بنت زياد الواد آشي.
العربية نت