بعد التوقيع بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية مسار دارفور على اتفاق يقضي بتسليم عدد من العسكريين للجنائية الدولية، سارعت لجنة الدفاع والأمن القومي بإصدار قرار يحمي القوات النظامية من المحاكمات الدولية. الأمر الذي طرح الكثير من علامات الاستفهام… هل يسلم المجلس السيادي البشير للجنائية وينقلب على وعده السابق بعد التسليم؟.
قال الدكتور بشير آدم رحمة، الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي السوداني لـ”سبوتنيك”، إن قرار لجنة الدفاع والأمن القومي في البلاد بمنح حصانة للقوات النظامية، قد تكون ردا على عملية الابتزاز التي تقوم بها قوى الحرية والتغيير ضد العسكريين، بحجة مساءلتهم على عملية فض الاعتصام الذي جرى بعد نهاية العام الماضي 2019.
وأضاف القيادي بالمؤتمر الشعبي، بأن هناك احتمال أيضا أن يكون القرار تحصينا للقيادات العسكرية وأبناء القوات المسلحة والذين تم إدراجهم في القائمة التي ضمت 51 قياديا بينهم البشير وعدد من القيادات العسكرية، وذلك لمنع تسليمهم للجنائية الدولية في جرائم دارفور. وأشار رحمة إلى أن قرار الحصانة الذي اتخذته لجنة الدفاع والأمن القومي ليست جديدة في الشأن السياسي السوداني، ففي ثورة أكتوبر 1964، القوى السياسية التي كانت تتحاور مع المجلس العسكري بقيادة الفريق عبود، منحت العسكريين حصانة بعدم محاسبتهم على انقلاب العام 1958، وبالفعل قام عبود بتسليم السلطة للمدنيين بعد أن حصلوا على ضمانات بعدم المساءلة، وحدثت الانتخابات في العام 1965 وأتت بحكومة مدنية وبرلمان منتخب، هذا البرلمان كانت فيه الغلبة للحزب الاتحادي وحزب الأمة ثم الحزب الشيوعي والجبهة الإسلامية. وذكر القيادي بالمؤتمر الشعبي، عندما جاءت الحكومة المدنية في العام 1965 أرادت إصدار قانون لمحاكمة العسكريين “عبود ورفاقه” والذين قاموا بانقلاب 1958، بالرغم من الحصانة التي حصلوا عليها، وهنا وقف الدكتور حسن الترابي وعدد من الأعضاء واستطاعوا إقناعهم بعدم إصدار القانون في البرلمان وقال لهم إن إصدار القانون يعد “خيانة للعهد”. وعبر القيادي بالمؤتمر عن تأييده للقرار إذا كان قد صدر، وإن لم يكن ذلك فسوف يكون هناك انقلاب في السودان “لأن العساكر لن يسلموا رقابهم بتلك السهولة، وربما يكون السبب الثاني لمثل هذا القرار هو ما طرحته لجنة التفاوض في جوبا لتسليم عمر البشير للمحكمة الجنائية الدولية، فربما أرادوا التلويح بهذا القانون أمام العالم مؤكدين بأن لدينا قانون يمنع تسليم أي عضو في القوات المسلحة السودانية إلى المحاكمة الدولية”.
ولفت رحمة إلى “أن عدم التسليم للجنائية الدولية وفق قرار اللجنة لا يعني الإعفاء من المحاكمة الداخلية للمتورطين في جرائم ضد الإنسانية، رغم أننا في المؤتمر الشعبي كنا مع تسليم البشير للجنائية لأنها مؤسسة دولية، ويعترف بها الناس، وبسبب هذا الرأي تم اعتقالنا في سجن بورتسودان العام 2009، وكنا نريد تسليم البشير لتعذر محاكمته داخليا لأن البشير هو من كان يقوم بتعيين القضاة، والآن هي نفس الحالة لأنه لا يمكن محاسبته داخل السودان لأن القضاء أصبح مسيسا”.
وحول القرار نفسه، قال الحقوقي السوداني خليل فتحي، لـ”سبوتنيك”، إن الهدف من القرار هو تحصين القيادات العسكرية من المساءلة حال قيام تظاهرات جديدة، كما حدث في العقود الماضية، خصوصا أن الأمر يتعلق بالكثير من القيادات العسكرية السابقة والحالية. وأضاف الحقوقي السوداني أن هناك الكثير من الأصوات تطالب بمحاكمة البشير عن انقلاب 1958، وهو يعني الرجوع بالمحاكمات العسكرية لعدة عقود، الأمر الذي يهدد الوضع الداخلي المتأزم بالفعل في البلاد.
ومن جانبه، اعتبر بكري عبد العزيز، المستشار الإعلامي لحركة العدل والمساواة الجديدة في حديث لـ”سبوتنيك”، أن قرار الدفاع والأمن القومي بتحصين القوات النظامية ومنع توقيفهم ومساءلتهم من جانب الحكومة “انقلاب ناعم” على الثورة ومطالبها بضرورة محاسبة كل من ارتكب جريمة ضد الشعب، بجانب محاسبة الفاسدين. وأشار بكري إلى أن الرؤية القادمة للوضع السياسي السوداني لم تعد واضحة المعالم، بعد الإفشال المتعمد لحكومة حمدوك لإشعال الغضب الشعبي ضدها.
صحيفة الإنتباهة