تفاصيل لقاء رئيس مجلس السيادة بقادة ورؤساء تحرير الصحف
الرئيس «البرهان» يترافع بقوة ويكشف المثير عن كواليس اجتماعه مع «نتنياهو»
لم تتوسط بيننا دولة.. أنا صاحب المبادرة وأتحمل مسؤوليتها.. أمريكا رعتها والتزمت برفع العقوبات
أخبرت «حمدوك» بأنني سأقابل رئيس وزراء إسرائيل وقال لي: (Go ahead) !
قوى الحرية والتغيير موافقة على اللقاء ومجلس الوزراء هو الذي صاغ البيان باسمي
الخرطوم – الهندي عز الدين
في وقت مبكر من صباح يوم (الأربعاء) رنَّ هاتفي كثيراً، وأنا أغالب غفوة صباحية تعودتُ عليها بعد أن ألفت عيوننا السهر سنواتٍ طويلة، عدتُ للمتصل بعد حين لأجده مكتب رئيس مجلس السيادة الفريق أول «عبد الفتاح البرهان»، والغرض هو الدعوة لتنوير صحفي من السيد الرئيس لعدد من رؤساء التحرير وقادة الصحف وبعض مراسلي قنوات فضائية عربية في مقر القيادة العامة للقوات المسلحة بالخرطوم.
تهيأتُ للقاء، خاصةً أنني لم ألتق الفريق «البرهان» كفاحاً منذ التغيير، سوى مكالمته الهاتفية معي أثناء فترة استشفائي بالقاهرة قبل شهور.
وتوقعتُ، وقد كان، أن يكون التنوير حول خلفيات لقائه مع رئيس وزراء إسرائيل «بنيامين نتنياهو» في يوغندا أمس الأول.
> أقلام (رصاص)
بدلاً عن أقلامنا!!
عند البوابة استقبلني الأستاذ «عادل سنادة» من إعلام مكتب الرئيس، فدلفنا إلى المبنى، حيث سجل قادة الصحف أسماءهم عند مدخل البرج الفاخر، ثم انتقلنا إلى صالون انتظار قابلنا في مدخله الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة العميد «عامر محمد الحسن»، انتظرنا لنحو عشرين دقيقة، تناولنا خلالها المياه وحبات من الفول السوداني والبلح، ريثما يكتمل عدد المدعوين، بعدها صعدنا إلى الطابق الثالث حيث مكان اللقاء، قاعة صغيرة مفروشة بكراسي جلوس وثيرة وفاخرة. على الباب طلب رجال الاستخبارات تسليم أجهزة الموبايل، والأقلام والدفاتر الخاصة، واستلام أقلام رصاص ومذكرات داخلية عليها ترويسة (جمهورية السودان – القيادة العامة للقوات المسلحة – القائد العام)!!
الإجراء جديد علينا، نحن الذين حضرنا مؤتمرات صحفية ولقاءات وتنويرات كثيرة في القيادة العامة طيلة السنوات الماضية، فما الجديد؟!
يبدو أنه إجراء تأميني وتحوطي إضافي لعدم تسجيل اللقاء الذي خرجت تفاصيله للقنوات الفضائية بعد دقائق من نهايته !
الغريب أن مراسل (أجنبي) تابع لقناة (سكاي نيوز) كان ضمن الحضور داخل القاعة، فضلاً عن مراسلي قنوات عربية، فلماذا منعونا أقلامنا واستبدلوها بأقلام الرصاص !!
> البرهان يترافع بقوة
بعد دقائق دخل علينا رئيس مجلس السيادة الفريق أول «عبد الفتاح البرهان» بقامته المديدة، وابتسامته العريضة ووجهه البشوش .
طلب رجال الجيش من الزميل الأستاذ «مصطفى أبو العزائم» تقديم اللقاء وتوزيع الفرص على الصحفيين.
تحدث «البرهان» مرحباً بالصحافة، مشيداً بدورها الوطني الرائد، معتذراً للصحف المتوقفة بأمر لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، متمنياً أن تكتمل إجراءات مراجعتها قريباً.
وطوّف رئيس مجلس السيادة على الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وقال إن الشعب ظل يعاني من تدهور في معاشه، وهناك غلاء وشح في السلع الضرورية التي يحتاجها المواطن، كما تعاني الدولة من شح في النقد الأجنبي، وهذا ينعكس على الأمن الاجتماعي ويؤدي لاختلال في الأمن الوطني بصورة عامة. وأشار إلى صفوف الخبز والبنزين والجازولين، مضيفاً أن وضع علاقات السودان مع العالم الخارجي لم يتغير بسقوط النظام، و ما زال الحصار مفروضاً والعقوبات مستمرة، ولابد من البحث عن (نفاج) للخروج من هذا المأزق.
> الشباب لم يخرجوا
بلافتات حزبية
وقال «البرهان» إن الشباب ثاروا ضد النظام السابق واحتشدوا في القيادة العامة للجيش من أجل تحقيق مطالب متعلقة بتدهور الأوضاع الاقتصادية وانسداد أفق المستقبل أمامهم، ولم يخرجوا بلافتات حزبية ولم ترفع الأحزاب والقوى السياسية التي شاركت في الاعتصام شعارات حزبية، بل كانت ثورة من أجل الوطن. وأضاف: (واجبنا أن نطبق لهؤلاء الشباب شعارات الثورة بتحسين معاشهم وتأمين مستقبلهم). ومضى في قوله: (البعض في السودان ما يزال يعيش في عام 1948، و67 ، و73، بينما العالم يتقدم، ويتجاوز هذه المحطات القديمة في التعامل مع القضية الفلسطينية. و زاد: (لو قعدنا في الكلام القديم دا ما ح نخدم قضيتنا ولا ح نمشي قدام).
ونبه إلى أن البعض يتربص بقطار الثورة ويريد أن يوقفه باستغلال الخطوة الأخيرة بالحوار مع إسرائيل، ودعا الأحزاب إلى النظر إلى مجمل القضايا بعيون الوطن، وليس لتحقيق مصالح حزبية وذاتية محدودة .
وبدا «البرهان» ناقداً لأداء الحكومة، مشيراً إلى بطئها في التعامل مع قضايا معاش المواطن. وقال: (نحنا شاعرين أن الاهتمام بالقضايا اليومية ضعيف). وأضاف: (طرحنا لهم تجربة مخبز القوات المسلحة الذي يخلط القمح بالفترتيتة، منذ شهور، ولكن ليس هناك تجاوب). وكشف أن الجيش عبر بنك أم درمان الوطني وضع يده على مطاحن (سين) للغلال، وأنه بإمكانها تقديم حل لأزمة الخبز بطحن كل الكميات المطلوبة بزيادة نسبة الاستخلاص وخلط القمح مع الذرة، غير أن وزارة التجارة والصناعة لم تتخذ خطوات جادة في هذا الاتجاه.
جعل «البرهان» من مقدمته الطويلة عن الاقتصاد وسوء أحوال المواطن تمهيداً لحديثه عن خلفيات ومسببات لقائه مع رئيس وزراء إسرائيل، ليؤكد أكثر من مرة أن غايته كانت مصلحة الشعب في حياة أفضل.
> خلفيات اللقاء مع «نتنياهو»
كشف «البرهان» في حديثه لقادة الصحافة خلفيات لقائه مع رئيس وزراء إسرائيل «بنيامين نتنياهو» . وأكد بشكل قاطع أنه لا توجد دولة ساعدت أو توسطت في إتمام اللقاء، غير الولايات المتحدة الأمريكية. وقال :(ما في أي دولة قدمت لينا مساعدة لإتمام لقاء «نتنياهو».. دا كلو عملناه وحدنا عبر مواطنين عاوزين مصلحة البلد).
وكشف «البرهان» لأول مرة، أن الاتصالات ظلت مستمرة قبل شهرين من اللقاء مع الجانب الأمريكي والإسرائيلي (بومبيو ونتنياهو)، مشيراً إلى محادثات تليفونية مع هذه الأطراف سبقت اجتماع «عنتيبي» بشهور.
وحول ترتيبات اللقاء قال إن زيارته تزامنت مع زيارة لرئيس وزراء إسرائيل ليوغندا في برنامجين منفصلين، ولكن تم الاتفاق على استغلال تزامن الزيارتين لعقد لقاء تفاكري مع الطرف الإسرائيلي.
و حكى «البرهان» أنه ولمزيد من توفير الضمانات لإتمام اللقاء ظل هو لنحو (4) ساعات في مكان آخر، غير المكان الذي كان فيه «نتنياهو» في يوغندا يطلب توضيحات وتأكيدات لما سيتحقق من مكاسب للسودان، مشيراً إلى الوعود الأمريكية الكثيرة للنظام السابق برفع العقوبات الاقتصادية، ولم يتم تنفيذها. وأوضح أنه لم يذهب للقاء، إلاّ بعد أن استوثق من اتصالات جرت مع «واشنطن» من الجانب الإسرائيلي للدفع باتجاه إزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ورفع العقوبات الاقتصادية و(عودة السودان كعضو فاعل في المجتمع الدولي) والجملة الأخيرة هي نص الوعد الأمريكي الأخير للفريق «البرهان».
وتوقع الرئيس «البرهان» إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب قريباً .
وحول توفر الضمانات بتحقيق تلك الوعود، قال «البرهان»: (هذا اللقاء لم نوقع فيه اتفاقية، ولا حتى مذكرة تفاهم.. هو اتفاق مبدئي على التعاون المشترك، وإذا لم يتم الالتزام بتحقيق مصالحنا في القريب العاجل، سنوقف الاتفاق ولن نسير فيه إلى الأمام).
وأضاف: (رغم أن الجانب الإسرائيلي طرح مساعدتنا في مجالات الطاقة والكهرباء والزراعة، إلا أننا طلبنا إرجاء ذلك لحين دراسة المشروعات من الجهاز التنفيذي في حكومة السودان.
> «حمدوك» يعلم !
في إجابته على سؤال حول عدم علم رئيس الوزراء الدكتور «عبد الله حمدوك» بلقائه رئيس الوزراء الإسرائيلي، قال «البرهان»: (رئيس الوزراء على علم، أخبرته قبل اللقاء بأنني سألتقي رئيس وزراء إسرائيل، فوافق وقال لي: (Go ahead).
> قوى الحرية موافقة على المبدأ معترضة على عدم التنسيق !
رئيس مجلس السيادة أكد أنه بعد عودته من يوغندا اجتمع بقيادات قوى الحرية والتغيير وأعضاء مجلسي السيادة والوزراء. وقال إنهم موافقون على الخطوة. وزاد: (أنا تكلمت معاهم كلهم بمن فيهم «صديق يوسف» و»السنهوري»، ولكن للبعض آراؤه الشخصية، وقلنا لهم: من كان عنده رأي شخصي فليعبر عنه في صفحته في فيس بوك)!
> مجلس السيادة موحد
أكد «البرهان» أن مجلس السيادة بشقيه العسكري والمدني موحد تماماً، ولا صحة لما يتردد عن سيطرة المكون العسكري على القرار. وشدد على أن لقاء «عنتيي» مبادرة شخصية منه، ويتحمل مسؤوليتها، وأنه قد تعرض خلال الفترة الماضية لهجوم كثير، وسيحتسبه لأجل الوطن .
و كشف «البرهان» أن التعميم الصحفي الذي صدر باسمه أمس، صاغته لجنة من مجلسي السيادة والوزراء، وأنه لا خلاف بين المجلسين على الخطوة التي اتخذها، والخلاف كان على عدم التنسيق، مؤكداً أن متابعة تفاصيل التعاون المقترح بين السودان وإسرائيل هو مسؤولية الجهاز التنفيذي و وزارة الخارجية .
> لا علاقة لنا بـ»قوش»
أجاب «البرهان» على سؤال حول ما إذا كان لمدير جهاز المخابرات الأسبق «صلاح قوش» علاقة بترتيبات اجتماع «عنتيبي»، برد سريع وحاسم: (نحن ما عندنا أي علاقة بصلاح قوش).
مؤكداً أن شخصاً له صلة بالسودان هو الذي بدأ الاتصال، وأنه شخصياً تولى المبادرة، دون تدخل أي دولة، رغم أن (7) جهات – لم يحددها- حاولت الدخول في هذا الملف.
ونفى «البرهان» كذلك أن يكون لوزير الدولة بالخارجية المعيّن حديثاً «عمر قمر الدين» أية علاقة باللقاء.
> ملتزمون بحق الشعب الفلسطيني
رغم أن رئيس مجلس السيادة أكد على حق الشعب السوداني في البحث عن مصالحه، وقال: (لم تقف معنا دولة عندنا تم احتلال «حلايب» ولم تصدر إدانة من دولة عربية)، إلاّ أنه أكد أن السودان ملتزم بموقف الجامعة العربية من القضية الفلسطينية، وللفلسطينيين الحق في إقامة دولتهم المستقلة، مثلما لنا الحق في السودان أن نبني دولتنا، ونمضي إلى الأمام.
> الرئيس يصافح
الصحفيين فرداً فرداً
في نهاية اللقاء وقف الرئيس «البرهان» يصافح الصحفيين وهم في طريقهم لمغادرة القاعة، يقف إلى جواره مدير مكتبه اللواء الركن «الصادق إسماعيل».
الخرطوم – الهندي عز الدين
المجهر