بعض المواقف المفصلية تحتاج لإرادة غلابة قوية وروح وثابة تتجاوز الحدود الضيقة، وتتخطى الصعاب.
# تتمدد مساحات الأسى بامتداد ربوع السودان، وتحتشد طيور الكآبة باحتشاد غلالات الحزن على أعناق شعبنا، خذوا الخرطوم، عاصمة البلاد، مثالاً لهذا الأسى الذي يرصف الطرقات، استصحبوا تلك المشاهد اليومية التي يعايشها المواطن السوداني الذي يجد صعوبة بالغة في الانتقال من مكان إلى آخر دون أن يحرك ذلك ساكناً في حكومة الدكتور حمدوك التي يبدو أنها لا تحس ولا تشعر، وإن كنت أرى أنها لا ترى ذلك المسرح العبثي الذي يعرض أمامنا مسرحية معاناة المواصلات العامة.. ومسرحية الصفوف التي لا تنتهي إلا لكي تبدأ.. منظر البؤس الذي يسكن الوجوه ويعتقلها، ذلك الاصطفاف المميت على رصيف الحياة، وذلك الوجع “الراقد” فينا حتى أصبح وأمسى لحافاً تتغطى به الأقدام المعفرة بغبار المسافات الطويلة.
# لم يعد مزاج الخرطوم “رايقا” في ظل هذه الأجواء “العكرانة”.. لذلك لم يعد هناك أحد فينا يحفل بسماع تلك الفلسفة التي تقول “لا تجري خلف البص.. لأن الآخر سوف يأتي”.. هذا الآخر لن يأتي إلا ليجدد مظاهرنا غير الحضارية في الاستجداء على شاكلة “وصل أخاك وأختك معاك”.. ولن يأتي إلا ليمظهر فينا تلك “المجابدة” التي تغري القادر منا لكي يفرد عضلاته ليعافر ويدافر و”يتشعبط بالشباك” ليحظى بمقعد في مركبة عامة.. ماذا فعلنا لكي نحيا حياة الموات.
# أعود لعنوان هذه الزاوية وأبعث بتحية سودانية خالصة للقوات المسلحة التي آمنت بمعاناة شعبها.. وانحازت لما رأه قائدها البرهان صائباً.. جاء بيان الناطق الرسمي العميد د. عامر محمد الحسن ليبعث فينا الأمل بأن السفينة الغارقة سوف تتحرك نحو الشاطئ.. قال البيان المليان: “يعلن مكتب الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة، أنه تم عقد اجتماع اليوم “الأربعاء” بالقيادة العامة للقوت المسلحة، أن الاجتماع أمن على نتائج زيارة القائد العام الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان إلى أوغندا ومخرجاته، بما يحقق المصلحة العليا للأمن الوطني والسودان.”
# جاء البيان مقتضباً وخالياً من التفاصيل.. ولكنه حاسماً وموجزاً إيجازاً يتماشى مع الراهن السوداني الذي يحتاج لجراحة عاجلة فشل المدنيون الديمقراطيون عبر حكومة الدكتور عبد الله حمدوك في التصدي لها، لذلك لم يكن هناك خيار غير تدخل الجيش الذي يبدو أنه يحس بمعاناة الشعب السوداني أكثر من قادة ثورته المجيدة.. تلك الثورة اختطفتها قلة سادرة في غيها لذلك باتت الآن أكثر انشغالاً بالقضايا الهامشية.. بدليل أنها لم تحرز تقدماً في أي ملف أو قضية محورية دُفعت لأجلها المهج وحُصدت الأرواح.
# قراءة المشهد، منذ البداية، بمعزل عن القوى الدولية التي كان لها إسهام كبير في التغيير الذي حدث في السودان، وبعيداً عن القوات المسلحة التي كتبت “المينشيت” الأخير لرواية عهد البشير، فيه ابتسار مخل لمستقبل ومآلات الوضع السياسي والاقتصادي في السودان، لم يكن وجود السفراء الأوروبيين في أرض الاعتصام وممارستهم للضغط و”الزن في ودان قادة الثوار” مجرد “حفلة” تنتهي بانتهاء عملية “رفع الصيوان”، بل كان مخططاً تمت دراسته بعناية لكي ينتهي إلى ما انتهت إليه الأحوال الآن، تلك مجرد “قيدومة” لمواقف كبيرة نتمنى أن تشكل لنا ساعات انعتاق حقيقي من أثمال الماضي الذي كبلنا طويلاً بأسوار الكفاف الحياتي الذي أرهق شعبنا، وجعل حكوماتنا المتعاقبة في حالة لهاث “كعب داير” من أجل الغذاء وحقنا في الحياة.
ايمن كبوش
اليوم التالي
فبراير 6, 20200