إن التحدي الذي يواجه السودانيين الآن و يحتاج للإجابة ليس التطبيع أو خلافه مع إسرائيل و لكن جوهر القضية هو أن المسؤول السوداني لا يزال غير جاد عند تناوله للقضايا الجادة. تناول القضايا الخطيرة ببساطة زائدة عن الحد و بسذاجة كالتي رأيناها مع البرهان تبين ضحالة و عدم إدراك المسؤول لخطورة ما تركه خلفه و ما هو مقدم عليه. لا يزال المسؤول السوداني يتعامل بعدم مسؤولية مع القضايا الوطنية و كأنها مواضيع شخصية خاصة كالذي يقع بين الجيران. في زيارة سرية بعيدة عن الأنظار حمل البرهان عصاه و رأسا ليس عليه سوى “بوريه” ليقابل من؟! نتنياهو!
إذا كان البرهان يخشى الإفصاح للشعب عن الجهة التي يزمع الذهاب إليها فأقل ما يمكن أن يوصف به هو أنه لا يعرف قدر نفسه و تواضعها في معرفة ما هو مقدم عليه. و يبين كذلك مدى إحتقاره للشعب الذي لا قيمة لرضائه أو سخطه فالأمر عنده سيان. أقول تلك هي عقلية “العسكري” الذي نشك في أنه صار يتقن “صفا إنتباه”. عسكري كل زاده المعرفي في سياسة الدول التخابر إذ ينجح في الخروج خلسة ليفاوض و لكن ليفاوض من؟ رئيس دولة خبر قادتها و أدمنوا السير وسط ألغام العالم و مع ذلك نجحوا في أن يقيموا بينهم علاقات يحكمها القانون و نظام ديموقراطي يتمتع الفرد فيه بفرادته يراقب أداء حكومته لا يتساهل مع من يرتكب خطئا و لو صغيرا لا تهمه الأوسمة و الألقاب إلا بقدر خدمتها لوطنه رئيس تلك الدولة محاط بمكتبة كاملة من التقارير و الدراسات و الخبراء و فوق كل ذلك يخرج من مطار بلده يشيعه الإعلام و تباركه دعوات شعبه و في المقابل يخرج البرهان خلسة متأبطا عصاه ليقابل و ليفاوض و ليوقع؟؟؟؟!!!!
إنها المهزلة يا سادتي. البرهان كان خيرا له و أسلم أن يذهب إلى جوبا لمحاورة من يشبهونه في كثير من التفاصيل ذلك كان أجدر به و أولى.
الموضوع ليس التطبيع في حد ذاته بل يتعداه إلى نوعية القادة الذين يتصدون لقضايا تفوق مقدراتهم ليتفاوضوا مع أحد أكبر مفوهي العالم و أساطينه و أساطيله و مجرميه. الفريق البرهان لغرض هذا اللقاء لم يستطع الخروج في وضح النهار عبر المطار و العودة عبره في رابعة النهار. إنها جناية يرتكبها البرهان في حق نفسه و في حق شعب ينتسب إليه. لقد تم التعامل بسذاجة و عنجهية في ذات الوقت و كأن الوطن خال من المواطنين بلا دستور و لا وثيقة تحترم لا حكومة و لا حرية و تغيير تحترم لا ثورة و لا دماء يحسب لها أي حساب. عسكري على رأسه “بوريه” تستدرجه مخابرات العالم ليلتقي أحد أكبر دهاة العالم و العسكري متواضع جدا معرفيا و منتفخ جدا كتفه بنياشين لا قيمة لها إلا عند أمثاله يتناول مستقبل وطن بحاله و كأنه يتناول لفافة سجائر. إنه لقاء الإذعان.
هل لا نزال نتحدث عن التطبيع؟ إنها المهازل بعينها.
سيصبح علينا الصباح و أبناء الوطن قسمان. قسم مع و آخر ضد. و يضيع السؤال بين أقدام المتناطحين. هذا من شيعته و ذاك من الضد و “دقي يا مزيكة” و “رأصني يا قدع”.
جاء في الأخبار
و تمضي الحياة
رتيبة كئيبة
اليوم كالأمس
و جاء في الأخبار
أن أنقلابا
و تمضي و يمضي
الناس … إلى أين!
التجاني محمد صالح
صحيفة الراكوبة