كانت أمسية الأربعاء 29 يناير/كانون الثاني الماضي أمسية مضاءة بشموع النصر والنجاح، ممهورة بفرح غامر توج رحلة عطاء وكفاح مشتها السيدة عرفة مكي نايل سعد الله في دروب الخير وإيثار الغير.
فقد حازت مكي على المركز الثاني في مسابقة “زول خير” التي نظمتها إحدى الشركات العاملة في مجال الاتصالات بالسودان، وشاركت فيها مئات من النساء والرجال، لتفوز بمبلغ مالي سيكون خير عون لها لتعزيز قدراتها المادية وإسناد مشوار عطائها النبيل.
قصة قناعة ويقين
كانت الآية القرآنية الكريمة “وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم” (سورة النساء: 19) خير زاد ومعين لقصة القناعة واليقين التي كتبت فصولها السيدة مكي وهي تطأ بقدميها بلاط مملكة الخير والعطاء بلا من أو أذى وإنما طمعا في التقرب من الله والفوز بمرضاته.
العام 2011 حمل بين جوانحه قرارا صادما بفصل السيدة عرفة تعسفيا من وظيفتها في استعلامات مطار الخرطوم الدولي، وبدلا من أن تتناولها سهام الحزن والإحباط فاجأت السيدة مكي الجميع بطاقة جبارة في العطاء، وقدرة فائقة على التحرك بحماس لقضاء حوائج الناس.
وخلال فترة وجيزة استطاعت السيدة عرفة مكي تقديم مساهمات واضحة ومؤثرة غيرت ملامح حي الأزهري الذي تقطنه جنوب العاصمة الخرطوم.
تفاعل نسوي ومشروعات خيرية
الانطلاقة الحقيقية لقصتها مع العمل الخيري والإنساني كانت في العام 2014 من خلال مبادرة نسوية لقيت تفاعلا كبيرا من نساء الحي.
“نجحنا في تنفيذ عدة مشروعات” تقول السيدة مكي، وتمضي باستعراضها، وهي “مشروع إنارة الشوارع داخل الحي، وتنظيم عدة حملات للاهتمام بالبيئة وتجميع النفايات، إلى جانب المساهمة مع الخيرين في بناء وتأهيل مدرسة الحي”.
مساعدات ومعالجة مشكلات
ولما كان منزلها مفتوحا على المدرسة فقد واظبت السيدة مكي على تقديم المساعدات على مدار اليوم الدراسي للطلاب، وذلك بغسل ملابسهم وحياكة الممزق منها.
وبعيدا عن محيط المدرسة بادرت مكي بتشكيل لجنة “جودية”، وهي عبارة عن جلسة لجبر الضرر ومعالجة المشكلات داخل الأسرة أو تلك التي تقع في الحي للحيلولة دون وصولها إلى المحاكم.
مشروعات إنسانية
قمة المشروعات الإنسانية التي تفخر بها السيدة عرفة مكي هو “صندوق حُسن الخاتمة” الذي يضطلع بمهمة توفير كافة مستلزمات الموتى من أكفان وحنوط، وغيرها من الاحتياجات التي تساعد في إكرام الموتى بسرعة دفن جثامينهم.
وتمضي مسيرة مكي مع فعل الخير، فتتخذ شكلا صحيا بتنفيذ مبادرات لتدريب كوادر طبية تقدم الإسعافات الأولية بتغطية حي الأزهري والأحياء المجاورة له، بما فيها المؤسسات التعليمية في المرحلتين الأساسية والثانوية، فساعد مشروع تدريب الكوادر الطبية على إنجاح مبادرة الختان الجماعي لأطفال الحي من الفقراء والمحتاجين.
فرحة رمضان والأضحى
ولم تفوت مكي فرصة المناسبات الدينية لغرس الفرحة في نفوس الأسر الفقيرة والمتعففة، فظلت ولمدة خمس سنوات متصلة تقوم وبالتنسيق مع الجهات المعنية بتوزيع مستلزمات شهر رمضان المعظم للأسر المتعففة والعائلات الفقيرة بالحي فيما يعرف بـ”كيس أو سلة الصائم”.
وتحكي مكي قصتها مع عيد الأضحى المبارك، حيث تتحرك في اتجاهات عدة لتوفير لحوم الأضاحي التي تتكدس في منزلها، قبل توزيعها على المستهدفين من الفقراء والمساكين، لترسم على وجوههم الفرحة بحلول عيد الأضحى.
اتزان نفسي وثبات انفعالي
وتقول أستاذة الصحة النفسية وعلم الاجتماع في الجامعات السودانية الدكتورة إسراء عز الدين شبيكة للجزيرة نت إن الاتزان النفسي والثبات الانفعالي اللذين التزمت بهما السيدة عرفة مكي كانا وراء صمودها وتجاوزها حالة الإحباط المترتبة على أزمة الفصل التعسفي من العمل.
وتستطرد الدكتورة إسراء بوصف العافية النفسية التي تتمتع بها السيدة عرفة مكي، وتقول إن نجاح الأخيرة كان بسبب استمتاعها بالحياة وخلقها التوازن بين أنشطة الحياة ومتطلباتها، بالإضافة إلى إدراكها إمكانياتها الخاصة والتكيف مع حالة التوتر العادية والعمل بشكل منتج يفيد محيطها ومجتمعها.
إمكانيات محدودة وخير كثير
وتثمن كل من مريم آدم جبريل وعائشة عيسى -وهن جارات لصيقات للسيدة عرفة- مواقفها الإنسانية واهتمامها بالناس، وقالتا للجزيرة نت إنهما معنيتان بتوصيل المساعدات الطبية والإنسانية للمحتاجين من سكان الحي، وتبديان اندهاشا من حرص السيدة عرفة على بسط الخير رغم إمكانياتها المحدودة.
الأم الثانية
“عرفة كانت بالنسبة لنا الأم الثانية بعد الوالدة”، هكذا بدأت أسماء مكي نايل الشقيقة الصغرى للسيدة عرفة حديثها للجزيرة نت، وأردفت أن “عرفة ظلت قبل وبعد زواجها مسؤولة عن توفير كل مستلزماتنا الدراسية واحتياجاتنا الخاصة”.
وتضيف أسماء أن “يد الرعاية عند عرفة امتدت لتشمل بعض الأهل والجيران، فشخصيتها مطبوعة على حب الناس ومساعدتهم، وقد اختصها الله بهذه الميزة”.
المصدر : الجزيرة نت