إذا كان من المُحتمل أن يزور أحدكم حديقة القرشي للحيوان في الخرطوم، سيشاهد في أقفاص الحديقة أنياب ” الليث” بارزة؛ واستقرار حالته الصحية بعد نجاح الحملة الإسفيرية التي طالبت بإنقاذ أسود الحديقة وعلى إثرها ،وصل إلى البلاد الأسبوع الماضي أطباء بيطريون وخبراء في الحياة البرية يتبعون لمؤسسة ” فور بوز إنترناشونال”، تمكنوا من إنقاذ أسود الحديقة من ” الهلاك” بسبب الجوع وسوء وعجز إدارة الحديقة توفير الغذاء لها.
(1)
الأسود كانت عبارة عن جلد على عظم، أو كما قال عثمان صالح والذي يرجع له الفضل في لفت النظر إلى حالتها، ففي الثامن عشر من يناير كان عثمان عن طريق الصدفة في حديقة القرشي للحيوانات ووجد (5) أسود تتضور جوعاً داخل أقفاصها بالحديقة، أحدها توفي بسبب الجوع، وأشار عثمان في تغريدة نشرها علي حسابه بموقع ” توتير” للتواصل الاجتماعي، أظهر فيها صوراً صادمة التقطها لها ، وقال في تغريدته : ” ذهبت بالصدفة لحديقة القرشي في الخرطوم 3 وانصدمت بوجود خمسة أسود منتهية عبارة عن جلد على عظم وفي واحد اتوفى قريب بسبب الجوع والإهمال” ، وتابع في ذات التغريدة : ” الأسود دي محتاجه جهة تهتم بيها وتوفر ليها الأكل الكافي وتعالجها وإلا ستموت هي الاخرى أيضا للاسف” .
(2)
عثمان قام بالتوثيق لحالة الأسود في الحديقة، ونشر صورها على حساباته في منصات التواصل الاجتماعي، لتهز وتثير الصور تعاطف الكثيرين داخل وخارج السودان، ووصل عدد المُتعاطفين الذين قاموا بمشاركة التغريدة الـ(2.6) ألف، وعلق الناشط طلال فيصل على الصور قائلاً : (حتى الحيوانات لم تسلم من الكيزان، حديقة الحيوانات بالخرطوم كانت من أكبر الحدائق بإفريقيا والعالم العربي قبل تدميرها وبيع أراضيها لتصبح فندق كورنثيا كانت قبلة الزوار من رؤساء وملوك العالم)، وأشار طلال مرفقاً صورة إلى جوزيف بروز تيتو الرئيس الأسبق لـ يوغسلافيا، والملك فيصل بن عبد العزيز أبرز من زارا الحديقة .
(3)
ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي، أطلقوا حملة لإنقاذ ما تبقى من أسود في الحديقة من الموت تحت مسمى ” انقذوا_أسود_القرشي”، وعلى إثر الحملة أعلن عدد كبير من الناشطين رغبتهم في المساعدة لإنقاذ حياة ملُوك الغابة في أقفاص حديقة الخرطوم، وفي تغريدة لها عبر حسابها تساءلت الإعلامية رفيدة ياسين أين جمعيات حقوق الحيوان ؟ وأعلنت استعدادها تبنيها وقالت : ” أنا مستعدة اتبناها حرام عليهم ده ملك الغابة”، وكان عدد من النشطاء وفروا كميات من اللحم المفروم استجابة لنداء إغاثة الأسود، فضلاً عن استجابة بيطريين للنداء .
(4)
تم احتجاز الأدوية والمعدات التى قدم بها إلى السودان، خبراء الحياة البرية التابعين لمنظمة (Four Paws) الدولية المختصة في رعاية الحيوانات ومقرها دولة النمسا، من قبل أفراد يتبعون لـ الصيدلة والسموم، قبل أن يُطلق سراحها لاحقاً، بعد أن طلب عثمان صالح في تغريدة المساعدة تخليص الأدوية والمعدات التابعة للمنظمة من الاحتجاز، وتشمل المعدات التي وصلت رفقة خبراء منظمة رعاية الحيوانات مُسدس تخدير، أدوية، فيتمينات، طعام قطط معلب، وفي أول تعليق رسمي لها قالت المنظمة : صدم فريقنا بسبب الظروف في الموقع؛ زار فريقنا بالأمس حديقة حيوانات القرشي ووجد أن الظروف المعيشية مروعة – الحيوانات لديها مساحة صغيرة للغاية للتحرك .
(5)
باشر الفريق الطبي للمنظمة عقب إطلاق سراح معداته العمل في إنقاذ الأسود التي كانت حسب وصفهم تقاتل من أجل الحياة، وتضمن العلاج تسريب بعض السوائل والفيتامينات والمعادن، عن طريق الحقن، وأظهرت محاولات الإسعاف العاجلة التي قام بها خبراء الحياة البرية من المنظمة بعد ساعات بعض التحسن، وقالت المنظمة إنها ــ اللبوات ـــ قادرة على الوقوف والمشي لفترة من الوقت، وكانت على استعداد لتناول الطعام، وأشارت إلى أن الفريق قدم لها طعام القطط المعلب، وقالت : ” هو بداية جيدة بعد هذا الوقت الطويل من سوء التغذية”.
(6)
وفي نوفمبر من العام الماضي، هرب اسد و لبوة من منتزه باسقات في الخرطوم بحري، بعد مطاردة وتدخل لـ شرطة الحياة البرية والشرطة انتهت بالسيطرة على الأسد، فيما لقيت انثاه مصرعها بعيار ناري بعد أن فشلت محاولات ترويضها وإعادتها إلى المنتزه، وتعاني الحيوانات في المنتزهات والحدائق في الخرطوم من الجوع وبحسب مراقبين أنه حال تم إنقاذ أسود حديقة القرشي يجب على شرطة الحياة البرية إرجاع الحيوانات لا سيما آكلة اللحوم إلى محمية الدندر على أن تترك الحيوانات الأخرى التي لا يكلف غذاؤها أموالاً باهظة بالحدائق .
(7)
وكانت حديقة الحيوانات في الخرطوم، ملجأ للكثير من الأسر، خاصة في الأعياد والمناسبات، وفي سرد لذكرياته لأول زيارة له لحديقة الخرطوم للحيوانات البرية في العام 1967م، يقول مهدى الشيخ لـ(اليوم التالي) إنها ـ حديقة الحيوانات ــ قبل بيعها في بدايات عهد النظام البائد التي أشار إلى أن موقعها الآن ــ فندوق كورنثيا ــ كانت بها أنواع مختلفة من الحيوانات والطيور والوحوش البرية، لم يرها إلا في الحديقة ” كنت بسمع بيها فقط” ، وأشار إلى أنه بخلاف الحيوانات البرية كانت أشجار الظل الضخمة تمثل جزءاً من البيئة للحيوانات فيها، فضلاً عن التسجيلات الدائمة لكبار الفنانين السودانيين.
(8)
ويرجع تاريخ إنشاء حديقة حيوانات الخرطوم إلى العام 1902م، وكانت تحتوى على أنواع من الطيور والزواحف وحيوانات برية أخرى، وفيها كان الدب الأسمر الذي أهداه رئيس يوغوسلافيا الأسبق تيتو خلال زيارته للخرطوم، إلا أن نظام الإنقاذ باع أرض الحديقة للحكومة الليبية التي أنشأت في موقعها برج الفاتح الذي تم تغيير اسمه بعد مقتل معمر القذافي إلى” كورنثيا”.
(9)
د. أمير خليل رئيس وفد منظمة ” فور بوز إنترناشونال ” الذي يباشر عملية الإنقاذ أكد دعم المنظمة للسودان في مجال حماية الحياة البرية بإنشاء محمية ومركز متكامل وتوفير كل الظروف الملائمة لسلامة الحيوانات البرية بالسودان، فضلاً عن مساعدته في تدريب الأطباء البيطريين، وكان قد التقى وفد المنظمة بـ علم الدين عبد الله أبشر وزير الثروة الحيوانية والسمكية والحياة البرية.
(10)
عادل فرح وكيل وزارة الثروة الحيوانية قال إن جهوداً بذلتها السلطات لمعالجة الأسود في حديقة القرشي، بالتنسيق مع جهات الاختصاص، من جانبه أكد وزير الثروة الحيوانية تعاون ودعم الوزارة للمنظمة، وتعهد الوزير بتذليل كل العقبات والإجراءات لإقامة المركز والمحمية بالتنسيق مع الجهات ذات الصلة، مشيداً بالمبادرة التي وصفها بـ(الإيجابية)،مؤكداً الحرص التام بتفعيل القوانين الداعمة لحماية الحياة البرية.
كوش نيوز