تهاوى سعر العملة السودانية رغم الحملات التي تشنها السلطات المحلية لمحاربة السوق السوداء التي وصل فيها الدولار إلى 100 جنيه لأول مرة في تاريخه، فيما أرجع رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، أزمة ارتفاع العملة الأميركية إلى مؤامرة يقوم بها تجار لمحاربة سياسات بدأتها الحكومة لضبط تجارة الذهب ومعالجة التشوهات الاقتصادية.
وقال حمدوك في مقابلة تلفزيونية، أول من أمس، إن الحكومة بدأت في تنفيذ سياسات لضبط تصدير الذهب، الأمر الذي خلق هلعاً لدى المستفيدين من الوضع الراهن، ما جعلهم يحاولون إفشال تلك السياسة، مضيفاً أن هناك مجموعات “معلومة لدينا” مستفيدة من تجارة الذهب والعملة.
وقال حمدوك إن بلاده ليست لديها احتياطيات من النقد الأجنبي لحماية قيمة الجنيه، وإنه يوجد “خلل هيكلي”، مضيفاً أن سعر الدولار في التعاملات النقدية بلغ 95 جنيهاً.
وحسب تجار عملة لـ”العربي الجديد” فقد ارتفع الدولار إلى نحو 100 جنيه سوداني في التعاملات النقدية خلال اليومين الماضيين، مقارنة مع أقل من 90 جنيهاً في الأسبوع الماضي، في حين يبلغ السعر الرسمي 45 جنيهاً للدولار، حسب البنك المركزي.
وانتعشت سوق العملات الموازية رغم تصريحات رئيس الوزراء باتخاذ حزمة إجراءات لكبح العملة الأميركية، بالإضافة إلى إطلاق حملات أمنية مكثفة على الأسواق والتي أثرت بدورها على العرض، حسب تجار عملة لـ”العربي الجديد”.
وقال تاجر عملة، فضّل حجب اسمه، إن الحملات الرقابية مستمرة، ولكنها لم توقف النشاط لاعتماد كثيرين على السوق الموازية، نافياً تراجع سعر الدولار الذي تراوح أمس الأربعاء بين 98 و100 جنيه، وسط توقف شبه تام لحركة البيع من قبل تجار العملة والاكتفاء بالشراء فقط.
وقلّل اقتصاديون من تأثير حديث رئيس الوزراء على أسعار الدولار، وأرجعوا تفاقم أزمة النقد الأجنبي إلى سياسات الحكومة المتضاربة. وقالوا إن اعتراف الحكومة بعدم كفاية النقد الأجنبي لحماية الجنيه أحد أسباب الأزمة، كما أن بنك السودان المركزي لم يستطع تلبية طلبات المستوردين والمواطنين.
وتعالت شكاوى السودانيين من انفلات الأسعار في الأسواق وصعودها الجنوني بشكل يومي. عضو لجنة التسيير في اتحاد الغرف التجارية، الصادق جلال الدين، قال لـ”العربي الجديد” إن البنك المركزي لم يمارس دوره من أجل ضمان استقرار قيمة الجنيه، وكل قراراته كانت سلبية على أسواق العملة لأنها دائماً غير مدروسة.
وفي نفس السياق، قال المحلّل المالي، هيثم فتحي، لـ”العربي الجديد”، إن حجم الأزمة التي يمر بها اقتصاد البلاد يتطلّب إجراءات أكبر من ذلك، فالمطلوب حزمة كاملة لمعالجة تشوّهات الاقتصاد، وذلك يستلزم قرارات أخرى مصاحبة، خاصة أن المواطنين الآن في ضيق من العيش مع عدم توفر كثير من الخدمات الأساسية.
واتهم وزير المالية، إبراهيم البدوي، النظام السابق بالتسبّب في الأزمة، قائلاً في تصريحات سابقة إن “الثورة المضادة” تقوم بشراء كميات كبيرة من العملات الأجنبية من السوق السوداء للمساهمة في تصاعد أسعارها مقابل الجنيه.
وأكد أستاذ الاقتصاد، الخير النور، أن نفس التجار في عهد نظام عمر البشير الذي أطاحته الاحتجاجات الشعبية ما زالوا يمارسون مهنتهم، وبالتالي من الطبيعي قيامهم بمحاربة أي إجراءات إصلاحية تقوم بها الحكومة الحالية، لأنها تقف ضد مصالحهم، وبالتالي الأمر يحتاج إلى تحركات مكثفة من حكومة حمدوك لمواجهة هؤلاء.
في المقابل، قالت المحللة الاقتصادية، سمية سيد، لـ”العربي الجديد”، إن الحكومة الانتقالية ما زالت أمامها فرصة للخروج من الدائرة المظلمة بالاعتماد على الموارد الحقيقية وفقاً لبرنامج محكم يدعم الإنتاج ويستنهض همة المستثمرين لا المضاربين وتجار السوق السوداء.
العربي الجديد