وكما كتبتُ لكم ايام الثورة في بوست سابق، وعلى لسان الشيخ الشعراوي رحمه الله الذي قال: ( إن الثائر الحق يثور ليهدم الفساد ثم يهدأ ليبنيَ الأمجاد).
ولكن وبكل صراحة لم نجد مجداً يتم بناؤه الآن لنمد له يد العون او نمد له سعادة القلوب حتى، فنحن في حالة انكماش مؤلم، وجمود عقيم، وواقع أليم، فما انفكينا نشاهد ما يحدث مجرد تكراراً لذات افعال النظام البائد، لأن ما تغير هم مجرد أفراد مع بقاء نظامهم بكل صفاته و طريقة ادارة شللياته وكأنك يا ابو زيد ما غزيت.
والسؤال العريض، هل هذا الذي ثار ضده الشعب؟ هل ثار الشعب السوداني لخلع افراد فقط؟ ام لتغيير كافة اركان نظامه الفاسد؟ فلماذا التمسك بمنهج النظام الذي ثار ضده السودانيين؟ ام هي تصديقاً لمقولة قالها أحد وفود التفاوض ( ان ما يتقدموننا مجرد ناشطون)؟ هل من الحكمة إدارة البلاد على خلفية المحاصصات والشلليات؟ هل من المستقبل ادارة الوطن بافكار النظام السابق الذي اولى امر البلاد لأفراد بعينهم يتصرفون فيها كالملك الخاص بمعزل عن ارادة الشعب.
ولماذا تبديل أهداف الثورة بأهداف ليست في أجندة الشعب السوداني الذي واجه الرصاص بصدور عارية؟ هل استشهد هؤلاء الابطال من اجل تبديل الدين الذي يدينونه أو حتى تعديله او انتظار وصاية فيه من أحد؟ أم ثاروا من أجل عيشة كريمة من بلدهم الذي يثقون في وفير خيراته؟
عشنا ثلاثون عاماً صابرين على الكذب والخداع ولكن كانت النهاية لهم من الشعب اقتلاع وانتزاع فهل من معتبر اليوم ؟
الشارع السوداني لديه من الفكرة والخبرة من التجربة السابقة ما يكفي، وبالتالي كل اطراف المعادلة معه وهو قادر على تصحيح اولويات ثورته وترتيب اوراقها، فهو لم يثُر من اجل تصفية حسابات او احقاد خاصة او ايدلوجيات فكرية انما ثار لأهداف محددة يتقدمها الملف الاقتصادي ويليها كرامة الانسان بكل اطياف مجتمعه دون تشعيب لأي هدف من اهدافه، ولكن ماذا حدث؟ تفاجأ الشارع بواقع لم يكن يوماً في حساباته وتم تهميش اهداف الثورة الرئيسية بصورة جعلت جرح البكاء على الشهداء يتجدد كل لحظة، فعندما تحيد عن هدف شهيد استرخص روحه الزكية والطاهرة وتنقلب عليه بهدف فطير فالبكاء سيكون مضاعفاً، لأنك لم تصُن نُبل هدفه ولم تؤدِّ أمانته التي إئتمنك إياها.
لماذا كل هذا العجز؟ وكأنَّ الحلول صارت احلاماً بعيدة المنال؟ وهل انتم طرقتم ابوابها اصلاً لو ذهبتم تجاهها من الاساس واستعصت عليكم؟ ام انكم استدرتم لها ظهوركم وانشغلتم بأهداف تمت صياغتها على ظهر الشهداء ودمائهم الطاهرة؟ متى تصارحون انفسكم بلا دفن رؤوس في الرمال او زيادة القيل والقال؟
وهل المطالبين بالإصلاح ومختلفين معكم في المنهج الحالي الآن باتوا مهددين بالتخوين والاتهام بالانتماء للنظام البائد؟ فلماذا لا ننظر لكل من يختلف معنا بحياد وموضوعية ونأخذ منه ما نفع ونرمي منه ما استرجع؟
بناء الوطن لن يتم بالخداع ولا بالسلاح والنزاع ولكن بالشفافية، و النُّصح، و الحب، و الصدق، و الانتماء، و المكاشفة، و الإيثار.
المجد والخلود للشهداء.
هيثم مصطفى