بعد ثورة يناير 2011 في مصر، وجهت النيابة وجهاز الكسب غير المشروع التابع للنائب العام اتهامات عديدة للسيدة الأولى حرم الرئيس الأسبق “سوزان مبارك” ، بالاعتداء على ملايين الدولارات من المال العام المصري. ودونت النيابة بلاغاً ضد “سوزان” بتهمة التصرف في مبلغ (280) مليون دولار، عبارة عن منح ومساعدات خارجية لأنشطة المجلس القومي للطفولة وغيره من المجالس والمؤسسات الاجتماعية التي كانت تديرها حرم الرئيس “مبارك”.
وقيّدت نيابةُ أخرى بلاغاً ضد “سوزان” بتهمة إهداء قطع عملة أثرية لمكتبة الإسكندرية، وتلخص الاتهام في كيفية حصول السيدة الأولى على عملة أثرية !!
واتهموها في بلاغ آخر بأنها عميلة لدولة إسرائيل وراعية لبرامج (الماسونية) في مصر.
ورغم كل الضجة التي أثيرت بعد الثورة حول بلاغات “سوزان مبارك” وممتلكاتها ، إلاّ أن المجلس العسكري الحاكم وقتذاك برئاسة المشير “طنطاوي” لم يسمح بسجن السيدة الأولى لمصر ، رغم صدور قرار من النيابة العامة بحبسها (15) يوماً على ذمة التحقيق !!
جنرالات مصر العظام ، خريجو الكلية الحربية المصرية وأكاديمية ناصر العسكرية رفضوا إحالة زوجة القائد الأعلى الأسبق للقوات المسلحة المصرية إلى سجن القناطر للنساء، بعد أن تنازلت عن ما تملك من أموال بحساباتها المصرفية في بنوك القاهرة.
في السودان، تكرر نفس المشهد عقب نجاح ثورة ديسمبر، إذ علت أصوات مبحوحة تطالب بمحاكمة حرم الرئيس السابق المشير “عمر البشير” بتهم متعلقة بالثراء الحرام والمشبوه، فأُحيلت قبل أسابيع للنيابة المختصة التي ما تزال توالي حبسها بدعوى إكمال التحقيق والتحري.
حبس زوجة رئيس الجمهورية السابق لأي تهمة، هي سابقة لم يشهدها تاريخ السودان السياسي.. ولا القضائي.
الثورات لا تلغي التاريخ ولا تسحب الرتبة العسكرية من قادة القوات المسلحة ، ولا تحذف صفة رئيس سابق ، فقد ظل الرئيس المشير “جعفر نميري” هو الرئيس السابق أو المخلوع – لا يهم – بعد ثورة أبريل 1985 ، وكذا الحال بالنسبة للرئيس الفريق “إبراهيم عبود” بعد ثورة أكتوبر 1964 .
وإذا كان المصريون قد استكثروا – عُرفاً وأخلاقاً وتقديراً لقائدهم الفريق طيار “محمد حسني مبارك”- حبس زوجته في سجن القناطر ، حتى لا تكون سابقة ووصمة عار في تاريخهم السياسي ، فإن قادة القوات المسلحة السودانية رئيس وأعضاء مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن “عبدالفتاح البرهان” ورفاقه لن يقبلوا بالتأكيد استمرار حبس السيدة الأولى حرم القائد الأعلى السابق للقوات المسلحة السودانية “وداد بابكر” في النيابة لأجل استكمال التحري والتحقيق ، فهذا مما لا يقبله عُرفنا وأخلاقنا وتاريخ دولتنا السياسي والاجتماعي.
عندما تم اعتقال الدكتورة “مريم الصادق المهدي” قبل سنوات في سجن النساء بأم درمان، بتهمة التعاون مع الحركات المسلحة بموجب بلاغ من جهاز الأمن والمخابرات ، كتبتُ يومها في هذه المساحة وبهذه الصحيفة مقالاً ناقداً للقرار والمسلك والمبدأ ، مطالباً الرئيس “البشير” بإطلاق سراحها ، لأننا لم نتعوّد في سودان القيم والشهامة على حبس النساء في قضايا سياسية. وقد كان ، وتم الإفراج عنها بعد حين.
اليوم نكرر النداء للسيد الرئيس “عبدالفتاح البرهان” ، وللسيد النائب العام مولانا “تاج السر الحبر” ، بأن يحققا العدالة دون إهانة سيدة كان لقبها (السيدة الأولى) وزوجة الرئيس السابق في جمهورية السودان ، فسيظل هذا اللقب باقياً في دفاتر التاريخ ، مهما تغيرت الأنظمة والحكومات .
الهندي عزالدين
المجهر