الكيزان .. تسييس الدين وتحليل الحرام (1)
اتخذ (الكيزان)، لا غفر الله لهم، من الدين هذوّاً طوال ثلاثين عاماً حكموا فيها البلاد وأحكموا قبضتهم على العباد، فنهبوا
المال العام والخاص وسرقوا الجنيه والريال والدولار وكنزوا الذهب والفضة، وامتطوا الفارهات من السيارات، وتزوجوا
مثنى وثلاث ورباع ، ولم يوفروا في ذلك أرامل (شهدائهم) ولم يراعوا حرمة لدمٍ وابتداءً من رئيسهم وحتى (خفيرهم)،
وظلوا يبررون (بلاويهم) وفواحشهم العظمى والصغرى بأنها من أجل إقامة دين الله وتثبيت أوتاد شريعته فيها، وكأني بهم
مثل ذلك الأعرابي الذي جاء بسيرته الأصمعي – بحسب ما ورد في الجزء الثاني من “العقد الفريد”لابن عبد ربه
الأندلسي،، قال الأصمعي : وَلى يُوسُف بن عُمَر صاحبُ العِرَاق أعرابياً على عمل له فأصاب عليه خِيَانةً فعَزَلَه فلما قَدِمَ
عليه قال له: يا عدوً اللهّ أكلتَ مال الله، قال الأعرابيّ: فمالَ مَنْ آكُلْ إذا لم آكل مال اللهّ لقد راودتُ إبليس أن يُعطيني فَلْساً واحداً
فما فَعل. فَضحِك منه وخلِّى سبيله.
كان المخلوع البشير، يفعل مع (حرامية) الإخوان المسلمين، مثلما فعل يوسف بن عمر مع الإعرابي، وأكثر، فيوسف لم
يكن يبرر لذلك دينياً، أما هؤلاء فكانوا يأتون بفقهاء السلطان من هيئة علماء السودان المحلولة – لا أعاد الله لها سيرة ولا
ذكراً بين العالمين – فيفتون بالبراءة للصوص، ويُحورون كلام الله عن مواضعه من أجل ذلك، فيأتون بما يُسمى بفقه
السترة، وفقه التحلل، لكي يشجعون المزيد منهم على المضي قُدماً في الفساد وإصابة المزيد منه، فيما يولون بين الناس
من على منابر مساجدهم بالشريعة والخوف من الله، ويرتعدون ويرتجفون ويُرْعِشون أصواتهم ويجلجلونها كما يفعل
شيخهم الذي اتهمه رئيسه المخلوع بالفساد.
ويتوسل الكيزان إلى الفساد بطرائق شتى وسبل متنوعة وحيِّل كثيرة، فبجانب الدين، كانت بعض نخبهم تأتي بمقولات من
يروجون بين الناس عنهم، إنهم (كُفار) وجب الجهاد عليهم، فيعتمدون مقولة بسمارك التي أطلقها عام 1862، في سياقات
مختلفة، بأن: ‘” السياسة فن الممكن’”، ولو علم بسمارك إنّ فئة انتهازيِّة فاسدة ومستبدة و مُخاصمة للعقل والحكمة ومتاجرة
بالدين، ستأتي يوماً ما تحت لافتة مضللة مكتوب عليها (جماعة الإخوان المسلمين) ، لتلوث وتسمم مقولته هذه، لسكت
عنها ولم يطلقها، وإنْ كانت الحداثة السياسية والتطورات المذهلة في الفكر السياسي والمفاهيم والفلسفة ونظم إدارة الدول
والعلاقات البينية وما إليها أحالت مقولته إلى محض قاعدة تاريخية من قواعد التحليل السياسي، لا غير، وليست نظرية
سياسية متكاملة الأركان كما يظن (إخوان السوء).
وحال الكيزان، في أكل السُحت وإصابة المال الحرام و(تحليله)، عندما يدخل بطون شيوخهم الكبار ورئيسهم، يذكرني بقصة رواها الشّيْبَانيِّ، قال:’” نزل عبدُ اللهّ بن جعفر إلى خيمة أعرابيّة ولها دَجاجة وقد دَجَنت عندها فَذَبحتها وجاءتها بها إليه فقالت: يا أبا جعفر هذه دَجاجة لي كنت أدْجنها وأعْلِفها من قُوتي وألمَسها في آناء الليل فكأنما ألمَس بِنْتي زَلَّت عن كَبِدي فَنَذرتُ لله أن أدفنها في أكرم بُقعة تكون فلم أجد تلك البُقعة المباركة إلاّ بَطنك، فأرَدت أن أدْفنها فيه. فَضَحِك عبدُ اللهّ بن جعفر وأمر لها بخمسمائة دِرْهم’”.
صحيفة اليوم التالي
يا اخي اتلهيى بلا تقليد معاك جيب افكار جديد ولا انطم حتة العنوان مالقيت غير تكرر