قاعدة بحجم الرهان !!

* موهبته كالمطر منحة لا تستجلب وكالنهر هبة لا تصنع .. نبوغه الفني من الثوابت الفلكية التي لا جدال عليها وعلو كعبه الغنائي وتميزه الأدائي لا يستطيع أحد إنكاره.. أثار ظهوره في مطلع التسعينيات من القرن المنصرم عاصفة من الجدل وأحدث (انقلاباً فنياً) كاملاً بعد التفاف الشباب حوله بصورة مدهشة وترديدهم لأغنياته ومطاردتهم لحفلاته.
* تفوق على أنداده وخلخل أوتاد عرش من سبقوه، وأعلن الشيوخ انحيازهم السافر له، الأمر الذي دفع إعلامياً بقامة أستاذ الأجيال الراحل المقيم محمود أبو العزائم ليعلق على ترديد محمود عبد العزيز للأغنيات المسموعة بقوله : “سمح الغُنا في خشم محمود”..!!
* يعتبر الراحل محمود عبد العزيز (أسطورة حقيقية) وظاهرة فنية مثيرة للجدل والتأمل وداعية لضرورة الوقفة والقراءة والانتباهة، فالفتى يظل صاحب أعرض شرفة جماهيرية أطل عبرها مطرب شاب في الثلاثين عاماً الماضية.
* الشيء الذي يدعو للبحث والنقاش وإيجاد الإجابات العاجلة كيف استطاع محمود أن يظل (فنان الشباك) الأول بالبلاد منذ ظهوره وحتى رحيله عن الدنيا .. هل هنالك سر ما؟، أم أن السر يكمن في غنائية هذا الفنان الاستثنائي ..؟؟
* السؤال الأهم :
كيف استطاع (الحوت) اقتحام أفئدة الشباب والحظوة بكل هذا الحب الدافق حياً وميتاً ؟.. كم كانت صور احتفالات التأبين التي أقيمت لمحمود داخل وخارج السودان في سنوات ذكرى رحيله السبع وأعداد كبيرة من (الحواتة) يتسابقون للمشاركة وكأنما محمود حي يتأهب لاعتلاء خشبة المسرح .. الأفواج التي تتقاطر في السابع عشر من يناير لإحياء ذكرى الرحيل فاقت كل التصورات وفاضت بها مسارح الأندية والاستادات على اتساع سعتها .. فشكراً لكل الذين أكدوا بياناً (بالحشود) صحة كل ما كنا نقوله عن أسطورة (الحوت) يوم اتهمنا كثير من الزملاء والفنانين بأننا نسعى لتضخيم محمود على حساب أنداده ومن سبقوه، فهاهي الأيام ترسل ردوداً بليغة تكفينا (خير) العودة لقصص الترافع وجدل ذاك الزمن، فشكراً لمحبي (الحوت) وشكراً لتلك الحشود الخرافية والحب الكبير؛ فالحواتة ريحانة وفاء هذا الجيل وظلوا على الدوام يرفعون لافتات العرفان النبيل .!!
* قلت من قبل إن محاولات رمي (الحواتة) باتهامات جائرة وحصر معظمهم في فئة من أصحاب التفلتات والتعبير المتجاوز يمثل ظلماً فادحاً لشباب أوفياء لم يعرفهم كثير من الناس عن قرب، وليس من المنطق في شيء أن تصدر حكماً على قاعدة عريضة جداً لا تقل عن جمهور أحد فريقي القمة إن لم تفقهما بسماعك لحادثة عارضة.. (الحواتة) حزب شاسع ممتد قاعدته أكبر من كثير من الكيانات الثقافية والرياضية ولا يمكن مقارنته بعضوية وقواعد الأحزاب السياسية !!
* كثير من الناس في بلادي يصدرون أحكاماً دون معلومات ومتابعة، ولا يجتهدون في البحث والتنقيب لتحصين وحماية آرائهم من التفنيد، وأقصى اجتهاد أحدهم سماعه لحادثة عابرة ليبني وجهة نظره، فالحواتة الذين يظلمهم أصحاب الآراء العاجلة كانوا من أكثر روابط معجبي الفنانين تماسكاً وفاعلية على مستوى تنظيم الروابط غير الملايين الذين يرتبطون بفنان دون الانتماء لرابطة أو اكتساب عضوية في كيان.. بدأت روابط محبي محمود أنشطتها منذ زمن بعيد حين أقاموا مهرجان (سباق النغم) في بداية الألفية الثالثة وشاركناهم في الأفكار الخلاقة عندما كان اللواء عبد الحي محجوب رئيساً فخرياً للرابطة وبمشاركة الراحل المقيم الفريق أول إبراهيم أحمد عبد الكريم .. توالت التجارب والمسميات بحب شديد في وقت لم يكن فيه التواصل سهلاً حيث لم يكن بإمكانك أن تنبئ الملايين بحدث ما عبر كبسة زر .. ظهرت بعد ذلك مجموعة (محمود في القلب) التي بدأت عملها بهمة وتنظيم، ولا زلت أذكر حماس شبابها إبان فترة التأسيس الأولى فبعد جلوسهم مع الراحل محمود طلب منهم زيارتي وإطلاعي على تصورهم العام وتزويدهم ببعض الأفكار .. جاءوا يومها يدفعهم الحب ويسبقهم الحماس فشعرت منذ الوهلة الأولى بجدية شباب (محمود في القلب) لتأتي من بعد ذلك (أقمار الضواحي) ويتسابق الجميع في إحياء الفعاليات الفنية والمشاركة الفاعلة في الأعمال الإنسانية .!!
* ظهرت أصالة معدن الحواتة إبان فترة مرض محمود عبد العزيز الأولى، ووعكته الأخيرة التي أسلم فيها الروح لبارئها .. كانوا يفترشون الأسفلت ببري أمام مستشفى رويال كير .. ظلت أكفهم داخل وخارج السودان مرفوعة للسماء .. (ختمات القرآن) يصعب حصرها.. شباب من محبي محمود بالسعودية اعتمروا ووهبوا له العمرة .. ذرفوا الدموع وحلبوا المقل يوم رحيله ولا يزالون حتى الآن يبتهلون بالدعاء له.. (ويا له من حب عظيم)..!!
* تواصلت أعمال جمهور (الحوت) الإنسانية وذاك أمر ليس بغريب على (الحواتة)، وقدموا في احتفالات الذكرى صورة مغايرة عبر روعة التنظيم وحفظ الأمن رغم الأعداد الكبيرة التي سدت جنبات المسارح ومدرجات الإستادات في السنوات السبع الماضية ؛ وبعثوا رسالة واضحة لكل فنان يريد تخليد اسمه فالأغنيات الهابطة وزخم (عدادات الأعراس) لا يصنع مجداً وخلوداً، فإن كان محمود قد (مات) فدروس وفاء جمهوره لا تزال (حية)..!!
نفس أخير
* بقيتوا الصمود وما كنتوا زيف ..!

صحيفة اليوم التالي

Exit mobile version