* نعم، لم تضِع دعوات أمهاتنا الصابرات سُداً؛ فلم يكن بينها وبين السماء حجاب .. إنها دعوة المظلوم التي تفتح لها المغاليق فهي أقوى من جبروت المدعي بالباطل؛ وأثقل من جريرة أكل المال الحرام؛ وأعظم من كبيرة قاتل النفس .. الأكف الصامدة ظلت مرفوعة تبتهل للمولى وسبحانه وتعالى ضراعةً آناء الليل وأطراف النهار .. أمهات مكلومات فقدن فلذات أكبادهن، وتقطعت أفئدتهن على أبنائهن الجرحى والمصابين والمُلاحقين والمعتقلين .. انتهكوا حُرمة المنازل، ودخلوا البيوت الآمنة ليرعبوا أهلها بحثاً عن صبي هتف في الشارع العام ضد الطغاة ثم لاذ بالفرار عندما لعلع صوت الرصاص وتسممت الأجواء بالغاز المسيل للدموع.. أخترقت رصاصاتهم الغادرة أبواب منازل وأجساد رجال أفاضل كل جريمتهم أنهم بأخلاق السودانيين فتحوا بيوتهم لإيواء فتيات هربن من بطش وتسلط من لا يرحم و(دونكم ما حدث لشهيد بري معاوية).. لم يراعوا لأم تصرخ أو أب يستغيث؛ وكانت سيطان الاستبداد تلهب ظهور الشباب أمام أعين الأسر وتكربج الأبناء بلا رحمة وكأنهم غرائب ابل .. لم نعرف عن (هيئتهم) غير التسلط؛ ولم نر من (عملياتهم) سوى القمع والترهيب والقتل والتعذيب .. الفيديوهات الوحشية التي مر عليها عام كأنها جاءت في الذكرى السنوية لتقتص من الجناة وتخفف على المظلومين المكلومين .. نعم، كيدهم في نحرهم.. هاهم يواجهون ذات الرصاص الذي أمطروا بوابل منه الشوارع التي هتفت لسقوط الطاغية .. الفرق بين من استشهدوا على أيديهم أنهم فتية أشاوس طلَّقوا متاع الدنيا (فعلاً لا قولاً) وخرجوا للطرقات عُزل ينددون بالظلم ويحلمون بوطن تسكنه العدالة وتظلله الحرية ويحكمه القانون .. لم يخرجوا لأجندة خفية أو دعماً لزواحف أو (طلباً لزيادة أموال نظير انتهاء خدمتهم) ناسين أنهم صموا آذاننا بأحاديثهم الكذوبة عن زهدهم في المال وعملهم نصرة للعقيدة وتمكيناً للدين وإنفاذاً لشرع السماء و(لا لدنيا قد عملنا .. نحن للدين فداء)..!
* هاهي قساوة قلوبهم تعكسها فيديوهاتهم طيلة فترة ثورة ديسمبر المجيدة .. إنهم كانوا يتلذذون بتعذيب أبنائنا ويطاردونهم داخل المنازل التي استباحوها مثلما استباحوا البلد بأكملها .. لا يردعهم وازع ديني أو يمنعهم بُعد أخلاقي؛ ولا تبدد وحشيتهم استغاثة أو صياح؛ وما حدث لهم بالأمس كان متوقعاً فمن يبذُر الشوك لا يجني سوى الجراح..!
* تظهر لنا هذه الأيام كثيراً من الصور والفيديوهات التي مر عليها عام وقد دارت دورة الأيام وتغيرت الوقائع واختلف الحال؛ فلا أجد لهيئة عمليات جهاز الأمن المحلولة و(المبلولة) ما أقوله لها سوى الترديد بتصرف خلف حافظ إبراهيم :
لقد كان فينا الظلم فوضى.. (فهُذِّبتم) حواشيه حتى بات (ظلماً مُنظَّما) .. عَمِلتُم عَلى عِزِّ (إخوانكم) وذُلِّنا.. فأغلَيتُمُ (رخيصاً) وأَرخصتُم دما..!
نفس أخير
* يمهل ولا يهمل!
صحيفة اليوم التالي