هيئة العمليات .. حربٌ ضد الدولة!
حسناً، فعلت الحكومة الانتقالية بفصل الأمن عن جهاز المخابرات، فحفظ الأمن وكل ما يتعلق به من أعمال اعتقالات أو تحقيق أو مشاركة مباشرة في القتال؛ ليست من مهام هذا الجهاز شديد الحساسية وبالغ الأهمية، وإنما موكلة للجيش والشرطة، ولا يحق لأي جهة أخرى المشاركة فيها.
وأمس، رشحت الأخبار بما يؤكد أنّ النظام البائد، عمد إلى تسليح وأدلجة ما كان يُعرف بجهاز الأمن والمخابرات (المخابرات العامة – الآن)، بما يفوق الجيش والشرطة، من أجل الحيلولة دون وقوع انقلابات أو ثورة شعبية عليه، فنجح في قمع الأولى وفشل في إيقاف الثانية التي أطاحته مرةً وإلى الأبد.
ما حدث أمس، بحسب الأخبار المبذولة حتى لحظة كتابة المقال، أنّ مفرزة مسلحة مما كان يُعرف بهيئة العمليات، أطلقت أعيّرة نارية وأغلقت طريقين في ضاحيتي الرياض وكافوري بالعاصمة، مما يُعد– في بلد محترم – إعلان حرب صريح ضد الدولة، وتهديد للأمن والسلامة العامة.
ويبدو أنّ أفراد من الهيئة يدينون – في الغالب – بولاء أيديولوجي للنظام البائد يحاولون إشاعة الرعب ونشر الفوضى لإحراج الحكومة الانتقالية وإظهارها بمظهر (الضعيف) غير القادر على التحكم والسيطرة على الشأن الأمني، علاوة على فقدان أفراد هذه الهيئة الكثير من الامتيازات التي كانوا يحصلون عليها من نظام المخلوع البشير؛ نظير العمل على إبقائه في السلطة.
ما لا أفهمه، كيف لم تنتبه الحكومة بمجلسيها، إلى ضرورة نزع السلاح من هذه المفرزة التي يُقدر عدد أفرادها بحوالي 11 ألف مقاتل، يقيم 7 آلاف منهم داخل الخرطوم، رغم أنهم نظموا في أغسطس من العام المنصرم احتجاجات على القرار القاضي بحل الهيئة، ووضع منسوبيها أمام أربعة خيارات متمثلة في البقاء بجهاز المخابرات العامة ضمن مهامه الجديدة، أو الالحاق بقوات الدعم السريع، أو الاستخبارات العسكرية، أو الإحالة إلى التقاعد، فثارت ثائرتهم وخرجوا إلى الشارع وهم يرددون عبارة (حقنا بس)، وكأن السودان ملك يمينهم.
كيف لحكومة التسوية السياسية، أن تصدر قراراً بهذا الحجم دون وضع التحوطات اللازمة (البديهة) له، فهيئة المخابرات كانت غارقة في النعيم، مسخرة لها أموال الشعب لتقمعه وتطارده ليل نهار، فلا عمل لها إلاّ هذا، رغم أن الكيزان ادّعوا أنهم أسسوها من أجل مساندة القوات المسلحة في العمليات القتالية ضد المتمردين لكن لا يزال نحو ثلثي قوامها كامن في العاصمة، وها هي الآن تثير البلبلة والقلاقل وتعلن تمردها ضد الدولة وتروِّع الآمنين، لأن لا أحد فكّر في نزع أسلحتها.
إذاً، فليعلم هؤلاء، أنّ العودة إلى النظام القديم أصبحت مستحيلة، فجهاز (الأمن والمخابرات) لم يعد كما كان عليه، ولن يحوز مستقبلاً على سلاح حيثُ إنّ وظائفه الرئيسة لن تكون قتالية ولا أمنيِّة، وإنما (مخابراتية)، تتلخص في جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها للجهات التنفيذية والأمنيِّة المختصة، فلا يحق لأفراد المخابرات حمل السلاح، وإنما يوضعون تحت حماية الشرطة والأمن الداخلي متى ما اقتضى الأمر، كما لا يحق القيام بوظائف الشرطة والأمن الداخلي أو الخارجي – كما هو الآن – ولا استدعاء الآخرين والتحقيق معهم، وكذلك لن تكون لهم سلطات تنفيذ القانون.
لن يعود العمل المخابراتي في السودان إلى الوراء، فلا بُدّ من تطويره كما العالم كله، عبر إطلاق مراكز متخصصة تتبع لجهاز المخابرات العامة من أجل جمع المعلومات وتحليلها وأتمتتها؛ خاصة فيما يتعلق بقضايا مكافحة الإرهاب، والاتجار بالبشر والمخدرات، والتهريب والتسيب الضريبي، ومكافحة التجسس، والجريمة الدولية المنظمة، فضلاً عن القيام بدورها بشكل احترافي في إنتاج تحليل وتقييم لكافة المعلومات عن التحركات والخطط التي تُدار من قبل (أياً كان) داخلياً وخارجياً والتي يتوقع أن تؤثر سلباً على الأمن القومي.
صصحيفة اليوم التالي