* نرفض أي محاولة للاستهانة بالأحداث المروعة التي وقعت في قلب العاصمة أمس، حتى ولو لم تُوقع ضحايا، ولم تتسبب في إراقة دماء.
* إذا استمر الوضع الحالي على سيولته وهشاشته وانفلاته فستسيل الدماء أنهاراً في بلادنا عما قريب، وستندلع الحرب الأهلية لتقضي على الأخضر واليابس.
* ما حدث بالأمس خطير جداً، لأنه يمثل تمرداً عسكرياً لا لبس فيه ولا جدال عليه، وقع في قلب العاصمة، وعلى مرمى حجر من مباني القيادة العامة للجيش وجهاز المخابرات العامة، بسيناريو فوضى مخطط له مسبقاً، بدليل أنه حدث في عدة مواقع للقوة المتمردة في توقيتٍ واحد.
* تمرد أفراد هيئة العمليات لم يبدأ أمس، ولم يندلع بإقدامهم على إطلاق النيران في الهواء لترويع المواطنين وإظهار حنقهم على المخصصات التي دفعت لهم كعوائد نهاية خدمة، بل بدأ يوم أن هتفوا في وجه مدير جهاز المخابرات العامة، الفريق أبو بكر دمبلاب بأعلى أصواتهم (حقنا بس)، من داخل القاعة التي جمعتهم به داخل مباني إدارة هيئة العمليات.
* أكد ذلك الهتاف أن تلك القوة فارقت كل قواعد الضبط والربط العسكري، بدليل أنها لم تحترم قائدها، ولم تمنحه ما يستحقه من طاعة، ومع ذلك مر الأمر مرور الكرام، ولم تتبعه أي إجراءات لفرض الانضباط وسط القوة المذكورة، ولم تتلوه أي محاسبة لها، لذلك لم نستغرب أن يحمل أفرادها سلاحهم، ليطلقوا الأعيرة النارية في الشوارع، وينشروا الرعب وسط المواطنين.
* توقعنا من مجلس السيادة أن يحسم تلك الفوضى، ويلزم قادة الأجهزة العسكرية والأمنية بمعالجة أمر قوة مدججة بالأسلحة الثقيلة، تضم قرابة خمسة عشر ألف مقاتل، بنزع أسلحتها، وتسريح أفرادها بالسرعة اللازمة، لا أن يتركها كي تواصل انفلاتها، وتروع المواطنين في قلب العاصمة.
* إهمال ملفها حولها إلى قنبلة موقوتة انفجرت أمس، لأنها لم تجد من ينزع فتيلها، ويبطل مفعولها الخطير.
* خصصنا المكون العسكري في مجلس السيادة باللوم لأنه احتكر لنفسه حق اختيار وزيري الدفاع والداخلية ومدير جهاز المخابرات في حكومة الثورة، واختار أن يتولى قيادة القوات النظامية منفرداً، وظل يتحدث باستمرار عن اضطلاعه بمهام بسط الأمن، وحرصه على حفظ الوطن من كل مظاهر الانفلات.
* لكن اللوم في مجمل الصورة يشمل مجلس السيادة بكامله، ويمتد لمجلس الوزراء الذي تغاضى عن الوضع الأمني الهش، وتلكأ في تنفيذ نصوص الوثيقة الدستورية، التي قصرت مهام وواجبات جهاز المخابرات العامة على جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها للجهات المختصة.
* إنجاز تلك المهام لا يتطلب الاستعانة بالأسلحة، ولا يحتاج إلى قوات مدججة بالبنادق الآلية والمدافع والمدرعات والتاتشرات، كي تتحول إلى مهدد أمني للدولة كلها.
* الفشل في حفظ الأمن لا يتصل بتمرد هيئة العمليات، بل بتمدد العنف، وتعدد حالات الانفلات الأمني، وانتشار السلاح الناري، من بورتسودان إلى نيالا والجنينة، مروراً بالعاصمة ومدني.
* لو استمر الحال على ما هو عليه الآن فلن ينجو أي شبر من ربوع الوطن العزيز من سيناريو الحرب الأهلية، الذي أرخى سدوله على بلادنا فعلياً، وبات أقرب إليها من حبل الوريد.
* إما أن يضطلع قادة الأجهزة العسكرية بمهامهم، ويحكموا قبضتهم على الأمن، ويؤدوا مهامهم التي ارتدوا من أجلها الكاكي، أو يتم إسناد الأمر إلى غيرهم، قبل أن تتحول البلاد إلى رماد.
صحيفة اليوم التالي