*الموازنة هي خطة مثلها مثل كل الخطط (مشروع، برنامج، استراتيجية.. الخ) تتعامل مع المستقبل لفترة محددة (سنة في حالة الموازنة وعشر سنوات في حالة الاستراتيجية) لتحقيق أهداف علمية وعملية محددة سلفاً بواسطة الجهة / الجهات صاحبة الخطة). صاحبة موازنة 2020 هي قوى الحرية والتغيير ووزارة المالية.
*الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة وعلى وجه التحديد البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تُصنف في علمي الاجتماع والإدارة على أنها منظمات “بيروقراطية”، بمعني إنها تُدار باللوائح والقوانين حرفياً، لا مجال فيها لمرونة تُمكّن من التعامل مع الظروف والوقائع المختلفة، هذا القول يقودنا للآتي:
1 – المقترحات التي يقدمها البنك الدولي (على سبيل المثال) للأخذ بيد الدول النامية لرحاب التنمية الاقتصادية والاجتماعية والرفاهية ما هي إلا قوانين تُنفذ حرفياً (بحذافيرها) في كل مكان وزمان، لذا يطلق عليها في الأدبيات العلمية كلمة “روشتة” كما في حالة ” روشته الطبيب” تحديداً للكمية والمواعيد.. لا فكاك، ولا خيارات!
2-عطفاً على أعلاه، ليس كل من يأتي من تلك المؤسسات هم أصحاب خبرات في اتخاذ القرارات أو القدرات في التعامل مع حالات البلدان المختلفة بأي شيء من المرونة، “وفاقد الشيء لا يعطيه” مثل نافذ في كل هؤلاء، إذ هم كما تُعرّفهم تلك المؤسسات ــ (UN Civil Servants) ــ أو موظفو الخدمة المدنية التابعين للأمم المتحدة (خُدام الأمم المتحدة).. فاعتبروا يا ثوار وممثليهم!
3-دون العودة للخلف في شأن تحديد وتسمية وزارات الحكومة الانتقالية (أشير هنا لرسالتي المفتوحة للسيد رئيس الوزراء حمدوك والخطة الإسعافي الغائبة بتاريخ 15 /10 /2019م، التي أشرت فيها لغياب التخطيط، هداكم الله يا أهل الحرية والتغيير كيف لكم أن تحددوا وتسموا “وزارة للسياحة والآثار” وتتجاهلوا “وزارة للتخطيط القومي”… سياحة وآثار لماذا؟ ليرى السواح هذه العاصمة بقمامتها وصفوفها وفوضى وازدحام حركة مرور، زد على ذلك ” وزارة الإعلام والثقافة” مقرونة مع شعار الثورة (حرية سلام و عدالة)، وزارات الإعلام والثقافة لا نجدها الا في ظل حكومات دكتاتورية تدعو وتمجد للحكام / النظام !!، بالمناسبة قبل أسبوعين فقط أعادت مصر وزارة الإعلام” بعد غياب دام خمس سنوات، السؤال: يا ترى لماذا؟!
4-موازنة (2020) المقدمة من وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي: (حُشرت عبارة ” التخطيط الاقتصادي” حشراً، إذ أنه عندما حددت الوزارات العشرين ذُكرت “وزارة المالية” فقط، وكذلك الحال عند تعيين وزير لها سمي “وزير المالية” فقط، وإلا لما ذكرتُ في رسالتي المفتوحة للسيد رئيس الوزراء معاتباً له على غياب كيانٍ للتخطيط.
أولاً، مذكرة الموازنة مليئة بالأخطاء اللغوية والنحوية والتراجم الغربية لكثير من المصطلحات التي تشبه ترجمة (غوغل).
ثانياً، لا يمكن معرفة كيف حُددت الأهداف، وكيف يمكن تحقيقها والتحقق منها. على سبيل المثال، كيف يمكن زيادة دخل الفرد وخفض التضخم وزيادة فئات الجمارك والضرائب، كل هذا دون ذُكر كيفية زيادة الإنتاج القومي (سلع وخدمات)، أم إن كل هذه الزيادات ستتحقق بافتراض واقعية القروض والمعونات والإعانات الدولية والإقليمية.. أيصدق مثل هذا القول والموازنة لم يكن قد تبق لبدايتها سوى ثلاثة أيام؟!
5-إشكالية أمر “رفع الدعم” عن عدد من السلع والخدمات: هذه إحدى مكونات “روشته البنك والصندوق الدوليين”، ويعلم الكثيرون أن طرح سياسة رفع الدعم كان مصاحباً لكل وزراء مالية حكومات الإنقاذ، اذ أن تلك الحكومات لم تعمل ولم تحرص على زيادة الإنتاج القومي (رغم الشعار الأجوف: (ناكل مما نزرع ونلبس مما نصنع)، وها هو وزير المالية يدعو لنفس السياسات لأنه على ما أظن.. وبعض الظن إثم، (حافظ لوح مؤسسته التي عمل فيها ردحاً من الزمن)، ويعلم الكثير من “المتخصصين المحليين” أن المواطن السوداني هو الذي يدعم بنود المحروقات والقمح، ودراسات هؤلاء المحليين كثيرة وقائمة على إحصائيات دقيقة ومعلومات عالمية. أقترح عند إنشاء وقيام كيان مستقل ومتخصص للتخطيط أن يحسم هذا الجدل البيزنطي: (منْ يدعم منْ؟)!
6-أخيراً لا يشك أحد من خبراء المؤسسات الدولية ولا نحن “المختصين المحليين” أن مشكلة هذا البلد منذ نيله الاستقلال ليست إلا “سوء إدارة” موارده (البشرية والمادية) الذي ازداد وتفاقم بانفراط القوانين المنظمة لكل الأنشطة مع الفساد الممنهج وإعلاء المصالح الخاصة فوق المصلحة العامة والتدهور في قيمة المواطنة وحب الوطن خلال العهد البائد! بروفسير أحمد حسن الجاك
صحيفة الجريدة