الوجبة المجانية مدخل فساد.. تكلفتها أكثر من مليار دولار سنوياً

قبل عام أو أكثر على ما اذكر استدل الأستاذ التجاني عبدالقادر في صفحته، بموقف حدث له عندما كان معلما في إحدى الأقاليم . حيث وجد أن تكلفة توريد المواد التموينية لداخليات المدرسة ،كان عاليا جدا مقارنة بأسعارها في السوق . لذا عندما وجد فرصة غياب المدير قرر الاستغناء عن خدمات المورد، فقام بوضع خطة لشراء المواد التي تتكون من اللحوم و الألبان و البيض و الخضروات من السوق مباشرة …

كانت النتيجة انه اصبح يشتري منتجات أفضل و بسعر أقل من نصف قيمة أسعار المورد . اي أقل ب ٥٠% من أسعار المورد .
قال أن التجربة لم تستمر طويلا لأن المورد كان قد كال له الكثير من الإساءات و التهديدات بنقله . و فعلا بعد فترة ليست طويلة تم نقله إلى منطقة أخرى ، و اتضح له أن مدير المدرسة و مدير التعليم في المنطقة كانا متواطئين مع المورد بسبب الرشاوى التي كان يدفعها لهم ، ذلك غير الخضروات و اللحوم و الفواكه و الهدايا التي يرسلها إليهم كل اسبوع .
استدل بالقصة ليثبت مدى قوة و طول يد القطط السمان منذ ما قبل الإنقاذ ، و الإمكانيات المهولة ، و الأشخاص المتنفذين الذين يحيطون أنفسهم بهم لحماية فسادهم و نهبهم للمال العام .

قبل أيام تم إعلان ميزانية العام ٢٠٢٠ ، و قد تضمنت وجبة مجانية للتلاميذ بجانب مجانية التعليم و العلاج للمواطنين . و قد كتبت في بوست سابق بأن مثل هذا الدعم ما هو إلا دعاية سياسية من حكومة يفترض أنها ذات مهام محددة وفق الوثيقة الدستورية .
لكن للأسف الحكومة الانتقالية اليوم تنتهج نفس أساليب الكيزان في السلطة ، فإعلان وجبة مجانية للتلاميذ ما هو إلا مدخل آخر من مداخل الفساد الذي ثُرنا عليه و قدمنا دماء الشهداء لازالته .

ما هي وصفة هذه الوجبة هل هي ساندوتش فول ام صحن عصيدة ام قراصة بي تقلية ؟؟ ، أقدم هذه الأسئلة لمعرفتنا باختلاف الثقافات الغذائية من منطقة لأخرى ، ف الوجبة التي تقدم في حلفا تختلف عنها في جنوب النيل الأزرق ، و الوجبة في كسلا تختلف عنها في الجنينة .

سؤال آخر عن كيفية تقيم تكاليف هذه الوجبة ؟؟ و ماهية الجهة التي تقدمها ، هل تترك لإدارات المدارس ، أم يتم نشر الأمر في الصحف لاختيار آلاف الموردين ، لفتح أبواب جديدة للسماسرة و اللصوص لمواصلة نهب الموارد الضعيفة و وضعها في جيوبهم ، أو المضاربة بها في الأراضي و الدولار ورفع قيمتها ، و بذلك نعمل على تربية و دعم قطط جديدة ، على حساب قطط يفترض اننا بدأنا محاربتها بجدية ، إذا كان الفساد كان يتم ما قبل الإنقاذ حسب استدلالي ببوست الأستاذ التجاني عبدالقادر ، و تلك الفترة نعتبرها كعهد الصحابة اذا ما قارناها بسودان الإنقاذ و ما بعده . فكيف يكون الحال اليوم و كلنا يعرف ما أصاب النفوس .

باحصائية بسيطة للطلاب الجالسين لامتحانات الشهادة السودانية و الذي يتجاوز عددهم نصف مليون تلميذ ، و بإسقاط هذا العدد على كل الفصول ال ١١ حتى الفصل الأول اساس ، يكون العدد أكثر من ٦ مليون تلميذ على أقل تقدير . لأننا لم نحسب الزيادة في عدد الطلاب كل عام و الذي لا يقل عن ١٠% .

و اذا افترضنا أن وجبة التلميذ الواحد لا تقل عن دولار حسب السماسرة و الموردين . فإن الحكومة تحتاج إلى ما لا يقل عن ٦ مليون دولار يوميا لافطار التلاميذ ، و اذا افترضنا أن العام الدراسي ٢٠٠ يوما فقط فإن الوزارة تنفق تقريبا ١.٢ مليار دولار واجبة السداد للسماسرة ، لكن وصول الوجبات غير مؤكد في ظل ترهل الدولة و انتشار الفساد . اذن هذه أعباء جديدة أضيفت إلى مليار و نصف كانت تنفق على دعم الوقود و الخبز …

فكما تم سحب بند رفع الدعم عن الوقود ، نتمنى ان يتم سحب بند الوجبة المجانية للتلاميذ ، لأن العائد منها ضعيف مقارنة مع التكلفة التي ستكون عالية جدا .

مثل هذه البنود الأفضل تركها لمنظمات المجتمع المدني و التي بدورها تتعاون مع لجان الأحياء في المدن و الأرياف بساهمة من كل المجتمعات ، و بذا نكون قد وفرنا الميزانية الكبيرة و التي يفترض أن توجه لدعم الكتب و الاجلاس ، و لبناء فصول و مدارس جديدة لإدماج الأطفال خارج المدارس في العملية التعليمية .

مضحك جدا أن تعلن حكومة دعم وجبة للتلاميذ بقيمة تتجاوز المليار دولار ، في بلد أكثر من ٤٠% من أطفالها خارج العملية التعليمية . كان الأفضل لو وجه هذا البند إلى إدماج هؤلاء الصغار في العملية التعليمية .

على الحكومة أن تعيد النظر في بنود الصرف المدمرة للميزانية و للاقتصاد .

سالم الأمين

Exit mobile version