عدم التوصل إلى نتائج في الجولة الثانية من مفاوضات جنيف 2 بين الحكومة المعارضة السورية أمر كان متوقعا بالنظر للجولة الأولى من التفاوض وتمسك الطرفين بمواقفهما، ولكن ما يبعث على القلق هو مستقبل عملية التفاوض نفسها، حيث يلف الغموض مستقبل المفاوضات، وكان المبعوث الأممي لسوريا الأخضر الإبراهيمي قد اعتذر للشعب السوري عن عدم إحزار أي تقدم في المفاوضات، وقال إنه ذاهب إلى مجلس الأمن الدولي لاتخاذ الخطوة المقبلة بسبب فشل جهود الطرفين.
عدم تحديد المبعوث الإبراهيمي لجولة ثالثة من المفاوضات يضع عملية التسوية السلمية للأزمة السورية على حافة الانهيار، فرغم عدم التفاؤل بإمكانية توصل هذه الجولة إلى نتائج، إلا أن استمرار التفاوض من شأنه ينعكس ولو بعض الشيء على وتيرة العنف بدليل الهدنة الإنسانية الهشة التي توصل إليها الطرفان بعد الجولة الأولى، وسمحت بدخول الأطقم الإنسانية إلى مدينة حمص المحاصرة وأخرجت عدداً من المدنيين، وأوصلت الغذاء والدواء ما استطاعت إلى ذلك سيبلا مع تعرضها لإطلاق النار، ولكنها شكلت نافذة أمل للمحاصرين في المدن السورية الأخرى بإمكانية الوصول إليها في إطار اتفاقيات وقف إطلاق نار محتملة من جولة المفاوضات.
استمرار التفاوض في كل الأحوال أفضل من استمرار الحرب، والعودة إلى مجلس الأمن يبنغي أن تكون بهدف ممارسة الضغط على الأطراف لإظهار الجدية في التفاوضات، فأسباب الخلاف الرئيسة التي رشحت لوسائل الإعلام من الجولة الأخيرة كانت حوال إصرار كل طرف بأن يكون مطلبه الرئيس هو مبتدر التفاوض، فالحكومة تريد مناقشة الإرهاب والمعارضة تريد مناقشة موضوع الحكومة الانتقالية أولا، ومن هذه الوقائع يبدو جليا أن الطرفين يرغبان في مناقشة قضيتي الإدارة الانتقالية والإرهاب، ولكن الخلاف في التقديم والتأخير في جدول المفاوضات، وهي نقطة يمكن تجاوزها بالمزيد من جهود الوسطاء لترقيب وجهات النظر.
مهمة الإبراهيمي كمبعوث من الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ووسيط رئيس في مفاوضات سوريا باتت على المحك، وخبرات الدبلوماسي الأممي المحنك في أصعب اختبار لأن مهمة المبعوث لا تقتصر على الإشراف على التفاوض فقط، بل تجسير الهوة بين الأطراف وحملهما على الايفاء بالتزامات على قطعوها على أنفسهم منذ الجولة الأولى، اعتذار الإبراهيمي للشعب السوري بتلك العبارات والأسلوب المؤثر تشير إلى نعي المبعوث لعملية التفاوض بين الأطراف السورية، وبما أن الإبراهيمي لم يغلف نوافذ الأمل بالعودة إلى طاولة جنيف مجددا، فإن أعمال جسام تتنظره بعد رفع تقريره إلى مجلس الأمن للانخراط في سلسلة من المشاورات والاتصالات خصوصا بالأطراف خارج قاعة التفاوض التي تدفع كل طرف إلى التمترس خلف موقفه دون تنازل حتمي لاستمرار التفاوض والتوصل إلى التسوية السلمة للأزمة.
العالم الآن – صحيفة اليوم التالي