ما أن أعلن مجلس الوزراء إجازته مشروع الموازنة للعام المالي ٢٠٢٠م، وموافقته على رفع الدعم عن السلع، حتى تبارَت وتسابَقت مُكّونات قوى إعلان الحرية والتغيير (قحت) إلى إشهار رفضها للموازنة المُجازة، وملأت الأرض عويلاً وضجيجاً، كأن الحكومة وميزانيتها جاءت من كوكب آخر، ولم تخرُج من بين فرث ودم (قحت) المُحتارة المذهولة، وتبرّأ مُؤيّدو الحكومة وصُنّاعها من حكومتهم التي لم تأتِ بجديد غير محاولة إصلاح ما يُمكن إصلاحه من حال الاقتصاد، وهو جهدها المُتاح المُستنبَط من ذات الأهداف التي نادوا بها في البرنامج الاقتصادي الإسعافي الذي وضعوه واعتمدته الحكومة وهي تسير على نهجه، فمن العيب وقلة المروءة أن تتخلى (قحت) عن حكومتها في مثل هذا الظرف، وتُحاول إيهام وخداع عامة الشعب بأنها ضد الموازنة وترفضها كأنها خِرقة بالية نجسة أو رجس من عمل الشيطان ..
إذا كانت هناك قوى سياسية حقيقية في (قحت)، فعليها أن لا تتخاذل، ولتكُن شجاعة وتدافع عن ما قدّمته حكومتها، فالحكومة هي التي نظرت واجتهدت ولم تجِد غير هذا الطريق لمعالجة العلل الاقتصادية.
ولعل غالب الاقتصاديين في بلادنا يرون أن رفع الدعم هو الخطوة الأولى للإصلاح الهيكلي لاقتصاد بلادنا، ولا سبيل غيره في مثل هذه الظروف، فلِمَ تتراجع وتجبُن قوى الحرية والتغيير من مواجهة الحقيقة والتعامل بمسؤولية والدفاع عن موقف حكومتها مهما كانت النتائج والثمن، فالمنطق السليم يقول ذلك، وطبيعة الأشياء تفرض على الحاضنة السياسية أن تكون أكثر حصافة وأعمق نظراً وأقل نقداً وشططاً، وأن لا تتناقَض مع حكومة خرجت من أحشائها ..
ليس من الكياسة السياسية أن تُزايد (قحت) على الجميع، وتخرج مُتصدِّرة قائمة مُنتقِدي الموازنة للعام ٢٠٢٠م، لا يمكن أن تتكسب من موقفها الحالي وتتنمّر وتنتفِض وهي تعلم قبل غيرها أن حكومتها في مأزق حقيقي، لا دعم خارجي ولا سند دولي ولا قروض ولا مِنَح، كما أن الموارد المحلية تتراجع إيراداتها تراجُعاً مُخيفاً، ويكاد إنتاج الموسم الزراعي بسبب سوء السياسات المالية والنقدية وضعف المتابعة لا يساوي نصف المتوقع من إنتاجه، والموسم الشتوي مُعرّض للفشل، وهناك اضطراب في كل سياسات وزارتي المالية والاقتصاد والتجارة والصناعة، ولا يوجد أمل في انتعاش الاستثمار الداخلي والخارجي .
المطلوب من تحالُف الحرية والتغيير أن يتحلى بـ(الرجالة) السودانية، ويركز في دعم وسند حكومته، وأن يدافع بشجاعة عن الموازنة المجازة، فليس بالإمكان أبدع مما كان، وليس لدى حكومتهم ما تفعله سوى الذي قدّمته، فرفض الموازنة والهجوم عليها من قِبَل (قحت) هو ذرٌّ للرماد على العيون، ولا يقبل الرأي العام هذه المحاولة الرخيصة للتنصُّل عن برامج حكومة تُعبِّر عن الجهة التي اختارتها، ووضعت لها إطاراً مُحدّداً وسميكاً لعملها، وكل سياساتها وبرامجها إلا اقتباساً من وثيقة إعلان الحرية والتغيير والبرنامج الإسعافي والمُوجّهات التي وُضِعت للحكومة ..
لقد كانت الثقة عالية جدًا من جانب (قحت) في الحكومة، وزعمت قيادات هذا التحالُف أن حكومتهم لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، وأطلق ناشطوها هاشتاق (شكراً حمدوك)، لكل أفعال وأقوال وحركات وسكنات السيد رئيس الوزراء، فلماذا حين أُجيزت الموازنة من حكومة حمدوك انقلب أهل (قحت) على أعقابهم خاسرين وخاسئين كأن حكومتهم لم تُغنِ عنهم بالأمس…! ؟
الصادق الرزيقي
الصيحة