صباح كل جمعة وانا في خضم المعارك المطبخية ..قراصة بالدمعة وشعيرية ..واكون في حالة حركة دائمة ما بين (حلة الى طوة وبالعكس) …في ذلك الوقت تكون برامج الاطفال شغالة في الراديو (ايوة عارفة نفسي دقة قديمة وعندي راديو في المطبخ ..واصلا زمن الغتغتة والدسديس انتهى) ..الذي لفت نظري ان كل الأغاني والأناشيد المصاحبة لهذه البرامج مستوردة ..بل يطلبها الأطفال السوادنيون بانتقاء المتابع والمحب ..اللكنة شامية والسلم سباعي ..بل انني بدات الاحظ الأناشيد التي يرددها اطفال الروضة ..ستجدها كلها ذات لكنة شامية ..او مصرية ..مش غريبة ؟ ما عندنا اغاني سودانية مخصصة للاطفال ؟ ولا الديلفري وصل حتى المواد الاعلامية ؟
و على ذكر الاعلام ولان الشئ بالشئ يذكر ..تعاطفت مع السيدة الجميلة التي اشتهرت بنظرية (الكندكة السوادنية ) ..فقد قالت بثبات منقطع النظير ..ان لقب (كنداكة ) يرجع الى أصل الفعل (تكندك فهو متكندك ) والكندكة في الأصل هي الغبار الذي يكسو الجسم نتيجة جري النساء في الحروب ..فتكندكن وصرن كنداكات عبر التاريخ ..انتهي تفسير العالمة نفع الله بعلمها العباد والبلاد ..والسؤال الذي يطرح نفسه بالضرورة هل الكندكة فقط في حالة الحروب ؟ ولا يجوز يطلق علينا كنداكات عندما نتعرض للأتربة والأعاصير؟ ..(عاد يا بت امي ما استخرتي نؤهائي ) ..فقد اجتهدت في انتقاء الثوب ونقش الحناء ..ونسيت ان تذاكري قليلا في تاريخ بلدك ..
الحقيقة ان المقطع باكمله ادهشني ..اذ يبدو ان ثلاثتهن (المذيعة وزميلة صديقتنا المتكندكة) لم يجرين اي أبحاث في هذا الشأن ..ذلك ان السيدة المتكندكة عندما قالت تعريفها (الظريف ) لم تعقبه بالله أعلم .. ولم تذكر احداهن الأخرى ..واما المذيعة فاكتفت باستحسان الامر ..وكان يمكن لها تعديل المعلومة لو بذلت جهدا كذلك الامريكي الذي اجرى ابحاثا في الانترنت وعرف ان الكنداكات هن ملكات النوبة القديمة ..والكلمة تعود الى (كندي) وهي السكين ..وكانت تطلق على المرأة حاملة السلاح وقائدة الجيوش ..ومن ثم صارت لقبا رسميا للملكة الام ..والنساء في النوبة القديمة كانت لهن مكانة مقدسة ..ولا تزال الثقافة النوبية تحتفي بالمراة وترفعها في مرتبة عظيمة حتى ان الأبناء ينسبون لأمهاتهم وكفي بذلك دليلا.
اقول اني تعاطفت معها ..فهي نتاج حقبة طويلة من التنكر للاصول الأفريقية ..والارث التاريخي القديم ..ومحاولة (التلصق) في الأصول العربية ..فخلت كتب المناهج عن تفاصيل حياة من بنوا اكثر من مائتي هرم ..وتركوا لغة مكتوبة ولها رموزها الخاصة ..ولولا الثورة السودانية لما عرف العالم لقب الكنداكة ولظل حبيس صدور العارفين بالتاريخ السوداني ..
اما الاعلام لو فتحنا ملفه (فالوجع راقد ) ..فهو لم يسلط الضوء على الآثار السوادنية الا بعد زيارة الشيخة موزه للبجراوية ..وظل مهرجان البركل عبارة عن ايام يقضيها المسؤولون وهم يستمعون لبضعة فنانين ينفض سامرهم بعد انتهاء الحفل وتوجد مواصلات بعد العرض.
اطرف ما قرأت محاكاة لنظرية (الكندكة ) ما كتبه احد اصدقاء الأسافير بان (الملك تهراقا ..كان يعود منهكا بعد خوضه للحروب ..ويدخل داره وقد بلغ به الارهاق مبلغا ..لذلك سمي بتهراقا) ..غايتو يا صاحبة نظرية الكندكة ..السويتها رقدت ..اللهم لا تخوزقنا لا تعولقنا.
ناهد قرناص