طارق أحمد علي .. فاتحة شهداء ثورة ديسمبر

طارق أحمد علي..
فاتحة شهداء ثورة ديسمبر

لا أعتقد ان صورة الشهيد طارق أحمد علي عبدالجليل الذي يعتبر اول شهداء ثورة ديسمبر المجيدة قد فارقت أذهاننا وقد دخل وقتها الشعب السوداني بأسره في حالة من الحزن العميق وفي ظلام كاحل بعد أن تداولت صوره عبر الوسائط الالكترونية وكأننا نعرفه وقضينا معه أياماً طويلة من عمرنا تمنينا وقتها ان لا تسقط قطرة من دماء ابنائنا الذين لم يخرجوا من أجل أنفسهم بل قدموا هذه التضحيات الكبيرة من أجل حصول الشعب على ابسط حقوقه في الحصول على حياة كريمة فقوبلت هذه المطالبة “السلمية” بوابل من الرصاص اصطبغت به الارض بدماء الشهداء فكان الشهيد طارق اول من ترجل عن صهوة جواد ثورة مدينة الحديد والنار عطبرة بولاية نهر النيل وكان ينتظره مستقبل واعد لبناء وطنه السودان بعد ان دخل كلية الهندسة بجدارة وتفوق وهو في السنة الخامسة اي على اعتاب التخرج وأمامه مستقبل كان يتمنى ان يملأه بالازاهير لا بالاشواك والمتاريس والدماء.

حياته في الجامعة

اختنق صوت شقيقه الاصغر طلال ولم يعرف من أين يبدأ الحديث فالفقد جلل كيف لا وهو رفيق دربه ومرشده وصديقه الصدوق حيث لم يرزقه الله باخ غيره وبدأ حديثه معنا وهو يحاول ان يتغلب على “العبرة” التي تباغت حلقه فجأة وقال درسنا معاً في “مدرسة التأصيل” الاساسية بنين ومنها انتقل الى مدرسة البر والاحسان ببحري الى ان وصل الصف السادس ومن ثم انتقلنا لمدينة عطبرة وطاف بعدد من المدارس واحرز نسبة 81% ومن ثم درس بجامعة “وادي النيل” هندسة انتاج وتصنيع استشهد أخي وهو خريج بعد ان أصيب بطلق ناري في الرأس توفى على اثره مباشرةً في 21ديسمبر2018.

خروجه للمواكب

صمت طلال للحظة وظننت انه لن يواصل حديثه معي وعشت معه أصعب خمس دقائق قبل أن يمضي قائلاً: كان يوم 21ديسمبر يوماً عاصفاً جداً بدأناه كأي يوم عادي ووقتها قرأ طارق عدداً من سور القرآن داخل المسجد وقمنا بالتقاط صورة تذكارية لهذا اليوم رغم الغضب والشرارة التي بداخلنا الا اننا قررنا ان نوثق لهذه اللحظة فأخذت آخر”سيلفي” يجمعني برفيق عمري واتجهنا الى الجامعة خرجنا كطلاب ومواطنين فى ذلك اليوم بسبب زيادة سعر “الرغيفة”، حيث وصل سعر سندوتش الطعمية يومها إلى “25” جنيهاً، فضلاً عن شح كبير في دقيق الخبز وأشار طلال الى أنهم خرجوا من الجامعة على السوق وهم يهتفون ضد الحكومة، وفي الأثناء تم حرق دار المؤتمر الوطني وعبر طلال عن حسرته بعدم حضوره في تلك اللحظة للنيل من دار”الحكومة” كما وصفها وأشار بالقول: أصبت بالحسرة وانا لم استطع ان اكون في هذه اللحظات وتمنيت المشاركة في حرق كل مايتعلق بهم، بينما جزء كبير من المواكب اتجه إلى المحلية ايضاً، وجزء آخر خرج من داخلية الجامعة ومعظمهم طلاب هندسة، والتقت المواكب في وسط المدينة وأصبح الموكب حشداً كبيراً تمت مواجهته والتصدي له بحوالي أكثر من 25 تاتشر مدججة بالسلاح، وبدأوا يمطروا علينا بالرصاص والبمبان وسقط أمامي شاب يدعى عصام جراء اصابته بطلق ناري واصبت بحالة “هستيرية” وبدأت أحدف “التاتشرات” بالحجارة حتى تم اعتقالي ولم أكن ادري اين أنا ولكن تم أخذي خارج عطبرة ولم يعلم أخي الشهيد انه تم اعتقالي واعتقدت انني سأتركه في الميدان ليواصل مابدأناه معاً رفقة اخواني الثوار ولم اكن اعلم وقتها انه اصيب بطلقة غادرة استقرت في رأسه واسقطته شهيداً عدت الى الموكب من جديد ووجدت صديقي مروان ولم يستطع اخباري بأن أخي قد سقط شهيد والحمدلله على ما اصابنا من فقد جلل.

نشاطه الرياضي

يواصل شقيق الشهيد حديثه عن أخيه وقال انه كان رياضياً من الدرجة الاولى “مجنون بكرة القدم”وكان مسجلاً بنادي “الوفاق” ومنها تحول الى نادي الدرجة الاولى ومنها كان سيصعد للممتاز ومعروف على مستوى عطبرة ولم اكن اعلم ان لديه اعمال خير يقوم بها حيث اتضح لنا ذلك بعد وفاته حيث اتت ثلاث نسوة لسرادق العزاء وكن يبكين بحرقة عليه واندهشت والدتي من حزنهن عليه واتضح انهن يعملن”فراشات” بالجامعة فكان يقدم لهن الشاي والقهوة في الصباح الباكر وقصة أخرى لامرأة مصابة “بسرطان الثدي” حيث كان يقدم لها المساعدة وأمي كانت لاتدري بما يقوم به أخي وذات يوم غضبت أمي منه وقالت له”ياطارق انت قروش الكورة دي كلها بتوديها وين” فكان دائماً مايهرب من الاجابة على سؤالها وكانت اكثر الاشياء التي لا يحبذها المرحوم هو الكذب فكثيراً مايقوم بتوبيخي اذا شعر انني اكذب عليه في شئ.

رسائل في بريد النائب العام

وصب طلال جام غضبه على وسائل الاعلام المختلفة وتعالت نبرات صوته واشار في حديثه بالقول انها مازالت مسيرة و”الكيزان لسة قاعدين” ولاتوجد بها الحرية الكافية لنقل الحقائق وقال شقيق الشهيد ان عطبرة تعيش اجواء الثورة والاعتصام فقد نصبت الخيام في الشوارع وتعالت الهتافات في الشارع الرئيسي في عطبرة والذي اطلق عليه “شارع الشهيد طارق” واغلقت الشوارع فهي تستعيد ذكريات ثورتنا المجيدة التي انطلقت شرارتها ودويها من عطبرة وسنحتفل اليوم بذكرى الثورة وأردف بالقول: أود ان أرسل رسالة جادة عبركم الى النائب العام اطالب فيها برفع الحصانة عن قاتل أخي وأنا جئت الى الخرطوم عدة مرات للمضي قدماً في هذا الموضوع ونحن قضيتنا اكثر قضية واضحة اصغر طفل في عطبرة اذا قمنا بسؤاله عن قاتل طارق نجده يعلم وهو معروف جداً على مستوى عطبرة ولدينا اكثر من 23شاهداً كل المطلوب من النائب العام هو رفع الحصانة فالادلة والشهود موجودين وهناك فيديوهات كثيرة تدين الجاني ولا ادري لماذا لايريد النائب العام الاستجابة لمطلبنا وختاماً أطالب بعدم ذكر المقولة المتداولة “شكراً حمدوك” لأن مايفعله هو واجبه الذي يحتم عليه فعله واذا لم يحقق مطالبنا سنأتي بغيره.

رسمته- تهاني النميري
صحيفة الجريدة

Exit mobile version