أخرجت ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018 السودانية إلى الواجهة شخصيات نجحت في ترك بصمة واضحة في مسار هذا الحراك، بل تحوّلت إلى أيقونات في الشارع، رصدت “العربي الجديد” سيرة 5 منهم:
1) محمد ناجي الأصم: طبيب سوداني، ولد في مدينة جدة السعودية، في 1987، أي قبل عامين من استيلاء الرئيس المعزول عمر البشير على السلطة في 1989. بعد عودة أسرته إلى السودان، استقرت في مدينة الأبيض غرب البلاد، وفيها تعلم، بينما درس الطب في جامعة غرب كردفان. قبل الثورة بأشهر، برز اسم الأصم ضمن سكرتارية “تجمّع المهنيين السودانيين”، الذي تبنّى في 25 ديسمبر 2018 الحراك الثوري العفوي الذي بدأ في عدد من المدن السودانية، ومضى في توجيهه سياسياً وميدانياً، ورفع سقف المطالب إلى حد المطالبة بتنحي النظام.
في تلك الأثناء برز الأصم خطيباً في المنابر السياسية والإعلامية وعلى وسائط التواصل الاجتماعي، وفي 4 يناير/كانون الثاني الماضي، اعتقلته السلطات الأمنية ولم يُفرج عنه إلا بعد سقوط نظام البشير في 11 إبريل/نيسان الماضي. ثم واصل نشاطه في ميدان الاعتصام، وفي وفد التفاوض مع المجلس العسكري، وألقى كلمة قوى “الحرية والتغيير” بعد التوقيع النهائي على الوثيقة الدستورية في أغسطس/آب الماضي. وهي خطبة اعتُبرت تاريخية ولاقت إعجاباً كبيراً من قبل الأوساط السياسية. بعد تشكيل السلطة الجديدة لم يكن اسمه مطروحاً في مجلس السيادة ولا في مجلس الوزراء، ولا في اللجان الحكومية، غير أن كثيرين يتوقعون أن يكون حاضراً في المستقبل السياسي للسودان.
2) آلاء صلاح: مقطع فيديو قصير، رددت فيه الطالبة آلاء صلاح، أبياتاً من قصيدة للشاعر أزهري محمد علي، وصوّرته إحدى الثائرات في ميدان الاعتصام في محيط قيادة الجيش في الخرطوم، حوّلها من طالبة مجهولة، إلى أيقونة ورمز للمرأة في الثورة السودانية، كما جعلها تحصل على لقب “الكنداكة” وهو اللقب المرتبط بالملكات في العهد النوبي القديم. آلاء صلاح ولدت في عام 1996، بعد 7 سنوات من بداية حكم البشير، تدرس الهندسة والعمارة في جامعة السودان العالمية في الخرطوم. وأثناء تلاوتها القصيدة الثورية في ميدان الاعتصام، ارتدت صلاح في تلك اللحظة ثوباً أبيض مع حُلى تراثية تعود للعهد النوبي. استضافت عشرات القنوات العالمية صلاح التي شاركت وخطبت أخيراً في جلسة مفتوحة لمجلس الأمن الدولي حول المرأة والسلام والأمن.
لم يكن الرياضيون السودانيون بعيدين عن المشاركة في الثورة
3) أيمن ماو: قبل 10 سنوات، غادر الشاب أيمن ماو مغني الراب السوداني، حي الصحافة جنوب الخرطوم، ليقيم في الولايات المتحدة. وبعد اندلاع الثورة بدأ من هناك تسجيل أغان سرعان ما وصلت عبر وسائل التواصل الاجتماعي للثوار وألهبت حماسهم، وصارت على كل لسان حتى الأطفال، وظلت تلك الأغاني تبث عبر مكبرات الصوت داخل الاعتصام حتى جاء اليوم الذي استضافه فيه مسرح الاعتصام بعد عودته إلى البلاد عقب سقوط نظام البشير، ووجد ذلك الحفل إقبالاً منقطع النظير.
4) أحمد خير: ما يميّز الثورة الأخيرة عن باقي الثورات هو اندلاعها في الولايات قبل العاصمة الخرطوم، ومن بين المدن التي وصلت إليها الثورة مبكراً، مدينة خشم القربة شرق البلاد. وفي الثالث من فبراير/ شباط الماضي، تلقت المدينة خبراً صادماً هو وفاة أحمد خير، المدرس في المرحلة الثانوية، تحت التعذيب في مكاتب جهاز الأمن والمخابرات. سرعان ما انتشر الخبر في كل أنحاء البلاد خصوصاً بعد الشهادات الصادمة التي أدلى بها رفقاء خير في المعتقل، ما زاد الغضب العام ضد النظام وجهاز أمنه. ومن يومها صار أحمد خير من أيقونات الثورة، وسيكون يوم الثلاثين من الشهر الحالي، يوماً تاريخياً في سيرة خير، حين يصدر قاض في الخرطوم، حكمه بحق أكثر من 40 من عناصر الأمن اتهموا بالاشتراك في الجريمة.
5) سيف تيري: لم يكن الرياضيون السودانيون بعيدين عن المشاركة في الثورة، فبرز منهم قائد المنتخب السوداني لكرة القدم وفريق الهلال، هيثم مصطفى، واللاعب الدولي شرف الدين شيبوب، فيما كانت للاعب فريق المريخ والمنتخب السوداني سيف تيري، قصة مختلفة، إذ شارك في الكثير من المواكب الاحتجاجية، وفي لحظة تسجيل فريقه للأهداف كان يعبّر عن فرحته برفع شعارات الثورة مع لاعبي الفريق. وبعد نجاح الثورة وجد تيري نفسه فجأة متهماً ضمن لجان المقاومة بمنطقة شرق النيل بحرق مركز للشرطة وتحرير متهمين وحرق سيارات، وألقي القبض عليه في يونيو/حزيران الماضي، وقضى في السجن فترة طويلة، ما أثار قلق الاتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” الذي استفسر عن وضعه القانوني والصحي داخل السجن. وفي نهاية يوليو/تموز الماضي تم إطلاق سراحه بكفالة مالية وحتى تاريخ اليوم لم يحسم القضاء قضيته، لكنه واصل نشاطه مع نادي المريخ وعاد لتسجيل الأهداف والاحتفال بها برفع شعار نصر الثورة.
العربي الجديد