في لقاء مع الشيخ صالح المغامسي، إمام وخطيب مسجد قباء بالمدينة المنورة، أقر بجواز الزواج بنية الطلاق طالما توفرت في عقد الزواج شروطه وأركانه الصحيحة، فيجوز للرجل أن يتزوج امرأة وهو لا يعزم على الاستقرار معها وينوي في نفسه أن يطلقها.
وأضاف المغامسي في لقاء معه في برنامج الأبواب المتفرقة على فضائية إم بي سي، أن الزوج في هذه الحالة بيت في نفسه أنه سوف يطلقها ولم يدون ذلك في العقد، ولم يخبر به الزوجة ولا وليها ولا يعرفه إلا الله.
وأكد المغامسي أن الزواج بنية الطلاق هو جائز شرعًا حسب الجمهور؛ لأنهم يقولون إن الزواج بهذه الطريقة صحيح؛ لأن أركانه قد تمت، لكنهم رأوا أنه ليس من فعل خيار المسلمين، وعارضهم في ذلك الإمام الأوزاعي، يقول المغامسي، حيث رأى أن الزواج بنية الطلاق محرم شرعًا وأنه لا فارق بينه وبين زواج المتعة، وأضاف المغامسي أن الزواج بنية الطلاق كثر في زماننا؛ ولذا كثرت الفتاوى الحديثة حوله، وممن تبنى جوازه الإمام ابن باز في السعودية، وقد قال بذلك حين سأل عمن سافر وارتحل إلى بلاد الغربة ونوى الزواج؛ ليعف نفسه، وليس في نيته الاستقرار بل الطلاق من تلك الزوجة.
من جهة أخرى، أشار المغامسي في حديثه إلى أن هناك من قد أفتى بالتحريم في السعودية أيضًا، وهو الإمام ابن العثيمين رحمه الله، لكنه كان يقول تأدبًا مع من يختلف: له أن العقد صحيح لكن في ذلك غش للزوجة ولوليها، يقول المغامسي، مضيفًا أنه إن كانت الزوجة تعلم ووليها يعلم فهذا أحرى أن يتم تحريمه، وممن قال بالتحريم من المعاصرين أيضًا محمد رشيد رضا، وعلل ذلك بقوله إن هذا يفقد الثقة في الصالحين من المسلمين، أي الصادقين الذين يتقدمون في الزواج ولا يرغبون في الطلاق، وقال رشيد رضا إنه إن كان نكاح المتعة محرمًا والمرأة تعلم، فالأولى أن يحرم النكاح بنية الطلاق؛ لأن المرأة غشت فيه، وهي لا تعلم أنه ينوي طلاقها.
أثارت فتوى المغامسي الجدل، خاصة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر بالسعودية، بين مؤيد ومعارض، فعلق متابعو البرنامج، مستنكرين ما ذهب إليه المغامسي، وتساءلوا إذا كان يلجأ الرجل في ظروف معينة للزواج بنية الطلاق فماذا تفعل المرأة في الظروف المشابهة؟ ووصف البعض هذا الزواج بأنه زواج متعة ومحرم، ويشبه زواج المتعة، بينما أيد آخرون ما قاله المغامسي، فتساءل أحد المتابعين: هل نحاسب على النيات؟ قد يؤلف الله قلبه ويكتب الله حياة بينهما وتتغير نيته وقناعاته.
وكتب الشيخ وسيم يوسف، خطيب جامع الشيخ زايد الكبير بالإمارات، عبر حسابه على تويتر، معلقًا على الجدل حول إباحة الزواج بنية الطلاق قائلًا إن الزواج بنية الطلاق نوع من أنواع الغش وقلة الرجولة، متسائلًا: هل هناك من يرضى لأخته أن تتزوج بنية الطلاق؟ وأضاف وسيم أن الدين ليس فقط الحلال والحرام، بل هو أيضًا معاملة وأخلاق ووفاء بالعهد، “فأعراض الناس ليست حقلا للتجارب وتفريغًا للشهوة “، مضيفًا “من لا يرضى على أخته هذا الزواج، فلا يرضاه لبنات الناس”.
وفي تصريح خاص لمصراوي، علق الدكتور مختار مرزوق، عميد كلية أصول الدين السابق بأزهر أسيوط، على الجدل الدائر حول الزواج بنية الطلاق، قائلًا إن نية الطلاق لا تبطل عقد الزواج الذي قام به إذا كان العقد مستوفيًا للشروط التي قررها علماء الشريعة الإسلامية، لكنه قال من جهة أخرى إن من يقدم على ذلك يتصف بصفة المنافقين؛ لأن من صفات المنافقين المخادعة حيث يقول تعالى: “يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ”.
وأكد مرزوق أن المؤمن الحق لا يوصف بالخداع، بل يوصف بالطهارة ظاهرًا وباطنًا، ويقول لمن يأخذون هذه الفتوى على أن الزواج صحيح، أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، ولا يغرروا بالنساء؛ لأن من يفعل ذلك ربما يحشره الله سبحانه وتعالى مع المنافقين، وذكر مرزوق أن هذه المخادعة من صفات أهل النار، وقد ذكرها النبي في حديث طويل عن أهل النار: “رجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك”، وبناء على ذلك، يقول مرزوق، إن من يتزوج المرأة بنية أن يطلقها في المستقبل، يعد موصوفًا بصفات المنافقين وبصفات أهل النار وبصفات الفجور أيضًا، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: المؤمن غر كريم والفاجر خب لئيم، وقال مرزوق إن هذا كفيل بأن يدعو كل إنسان؛ ليتعقل الأمور، ويتق الله سبحانه وتعالى، خاصة فيما يتعلق بأمور النساء.
ماذا تقول دار الإفتاء المصرية في حكم الزواج بنية الطلاق؟
في فتوى سابقة لدار الإفتاء المصرية برقم 4552 بتاريخ 13 أكتوبر 2008، ورد في تفاصيلها حكم الزواج بنية الطلاق، أي والزوج يضمر الطلاق من زوجته بدون أن يشترط ذلك، مع توافر أركان النكاح وشروطه، فهو زواج صحيح كما ذهب إليه الحنفية والشافعية حسب فتوى الدار. وذكرت دار الإفتاء أن القاعدة في ذلك: “أن كل شرطٍ يَبطُل العقدُ بالتصريح به فإن إضمارَه مكروه”. ثم ذكرت ما قاله الإمام الشافعي رضي الله عنه في كتابه “الأم”: وإن قَدِم رجلٌ بلدًا وأحب أن يَنكح امرأةً ونِيَّتُه ونِيَّتُها ألا يمسكها إلا مُقامَه بالبلد أو يومًا أو اثنين أو ثلاثة -كانت على هذا نِيَّتُه دون نيتها، أو نيتُها دون نيته، أو نِيَّتُهما معًا ونية الولي- غير أنهما إذا عقدا النكاح مطلقًا لا شرط فيه فالنكاح ثابت، ولا تُفسِد النِّيَّةُ من النكاح شيئًا؛ لأن النية حديثُ نَفْسٍ، وقد وُضِعَ عن الناس ما حَدَّثوا به أنفسهم، وقد ينوي الشيء ولا يفعله، وينويه ويفعله، فيكون الفعل حادثًا غير النية.
مصراوي