السودان الواسع متعدد الثقافات، لا يمكن أن يحكم إلا بديمقراطية حقيقية وفيدرالية

على الحركات المسلحة قراءة الواقع السياسي والاجتماعي السوداني بواقعية بعيدا عن الهتافية والانفعال .
سودان اليوم بالتأكيد ليس سودان السبعينات والثمانينات ، هناك تغييرات ضخمة حصلت للمجتمع خلال هذه العقود ، وبالتالي من المحال تجاوز هذه التغييرات .
ربط بعض الحركات للتسوية السياسية بالعلمانية و إلغاء الشريعة كان سيكون منطقيا لو كانت الحكومة لازالت في يد الإسلاميين ، و إلغاء هذه الشريعة المتوهمة كان ممكنا وسهلا لو كانوا هم من يسيطر على الأمر .
اقول الشريعة المتوهمة لأن السودان لا يُحكم بالشريعة التي يتصورها هؤلاء ، لكنه ظل يُحكم بالعاطفة الدينية طيلة هذه العقود ، وذلك بالتركيز على قشور الدين و مظاهره بعيدا عن لبه و جوهره .

عدم المنطق في مطالب الحركات هو أن تطلب أمرا تسيير عليه الآيدلوجيا الجديدة التي تسيطر على الحكم في المركز ، و تتحرك بخطوات محسوبة أحيانا و غير محسوبة في أوقات أخرى . لأحداث التغيير المنشود في بنية الحكم المركزي .
و في ظل وجود شريحة اجتماعية كبيرة تتمسك بهذه التابوهات الدينية العاطفية ، فإن الحركات تضع شركائها في الحكم في مواجهة مع هذه الشريحة و التي تعتبر شرسة جدا في حالة لمس تابوهاتها التي تؤمن بها .

و الكيزان الذين يبحثون عن ثقرات للعودة إلى واجهة الأحداث س يستغلون هذه العاطفة لتأليب الشارع العام على اي حكومة تحاول إلغاء هذه التابوهات في الوقت الراهن على الأقل ، و هذا الأمر لن يحقق الاستقرار المنشود ، و ربما دخلنا في حرب أهلية أبشع من السابقة التي لا زلنا نبحث لها عن معالجات و تسويات .

هذا السودان الواسع متعدد الثقافات ، لا يمكن أن يحكم إلا بديمقراطية حقيقية و فيدرالية تنال فيها الأقاليم المختلفة كافة حقوقها الدستورية و التشريعية ، و تطبيق هذه الفدرالية تغنينا عن مطالب حق تقرير المصير الذي تلوح بها بعض الحركات لبعض الأقاليم . كل إقليم يختار نظام الحكم الذي يوائمه و لا يصطدم بمعتقداته و عاداته و ثقافته .
دولة مدنية علمانية ، نظريا هي الحل الأمثل لمشاكل بلد مثل السودان ، لكن تطبيقه عمليا في الوقت الراهن و من حكومة انتقالية هشة تتقاسم السلطة مع مجلس عسكري طامع ، هو أمر في غاية الصعوبة ، خاصة إذا استصحبنا التغييرات الاجتماعية و العاطفة الدينية التي حدثت في العقود السابقة و أشرنا اليها في صدر المقال …
لذا يجب إرجاء هذه الامور إلى ما بعد تكوين حكومة ديمقراطية يختارها الشعب، كي تبت فيها بالتصويت و الاستفتاء ، بدلا عن مناطحة الصخر في الوقت الراهن …
موائمة دستور ٩٨ و دستور ٢٠٠٥ ، و إعادة قراءة مخرجات الحوار الوطني الشامل ، يمكن أن نجد فيهما حلولا عملية لأزمتنا السياسية المعقدة ….
على الحركات المسلحة أن تطور خطابها السياسي و الاجتماعي وفقا للتغيرات التي تطرأ في الساحة السياسية و الاجتماعية حتى لا تكون كمن يغرد خارج السرب . فالمجتمع يتغير بسرعة أكبر مما نتوقع ، و كذلك السياسة .
سالم الأمين .

Exit mobile version