الزحف الاخضر والجهل الأغبر

كمعلم للغة العربية لاكثر من ثلاثين عاما… لغة شرفها الله بان جعلنا نتلوا كلامه بها…. كمعلم لهذه اللغة ومعترفا بأني ما زلت اتعلمها … أرى الكثيرين ممن يخوضون بجهالة في بعض معانيها الجميلة وهم بذلك ينشرون الجهل بين النشء اذا لم نتصدى لهم نحن حملة راية العلم واللغة.
رأيت كثيرون يتندرون جهلا من كلمة الزحف التي وردت ضمن دعوة جهة ما للخروج ليوم اسموه الزحف الاخضر… وانا هنا لا شأن لي بهؤلاء أو أولئك …. انما شأني مع لغتنا الحبيبة…
من إختار كلمة الزحف لمسيرته فقد أحسن والله الاختيار لمسيرته وحشده ودونكم الاية الكريمة في كتاب الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ)
فالجيوش تتقدم زحفا الى المعارك والزحف في اللغة العربية يأتي بمعنى الجيش نفسه وجملة زحف الجيش للعدو تعني مشى ومضى إليه في ثِقَل لكثرته

ولله در الشاعر حين مثل الصباح بجيش يزحف براياته ….
زحف الصباحُ وهذه راياتهُ
فهوت نجومُ الليل وهي حماته
ُلو لم تخفْ كرَّ الظلام لما انبرت
ْفي الخافقين خوافقاً عذباته
أو ما ترى نسرَ السماءِ محلقاًفيها
وفي كفّ السِّماكِ قناته

ومن قبل شاعرنا هذا أجاد المتنبي وهو يصف *الزحف* بقوله في قصيدته الرصينة التي ابتدرها بالقول
عَـلَى قَـدْرِ أَهـلِ العَـزمِ تَأتِي العَزائِمُ
وتَــأتِي عَـلَى قَـدْرِ الكِـرامِ المَكـارِمُ

وتَعظُـمُ فـي عَيـنِ الصّغِـيرِ صِغارُها
وتَصغُـر فـي عَيـنِ العَظِيـمِ العَظـائِمُ
لتأتي كلمة *الزحف* مدوية حين يقول

أَتَــوكَ يَجُــرُّونَ الحَــدِيدَ كأنّمــا
سَــرَوْا بِجِيــادٍ مــا لَهُـنَّ قَـوائِمُ

إذا بَرَقُـوا لـم تُعـرَفِ البِيـضُ مِنهُـمُ
ثِيـــابُهُمُ مــن مِثلِهــا والعَمــائِمُ

خَـمِيسٌ بِشَـرقِ الأرضِ والغَربِ زَحفُهُ
وفــي أذُنِ الجَــوزاءِ منـهُ زمـازمُ

تَجَــمّع فيــهِ كُــل لِســنٍ وأَمُّـةٍ
فمــا يُفهِــمُ الحُــدَّاثُ إِلا التَراجِـمُ

فهذا هو الزحف في اللغة وهذا هو جمال اللغة العربية فلا تستخفوا اخوتي بمعانيها طلبا لانتقاص الاخرين فانتم تسيئون لها لا للآخرين ودمتم

محمد المعتصم إبراهيم
أستاذ اللغة العربية بالمدارس الثانوية

Exit mobile version