-١- سبَق لي تقسيمُ منسوبي المؤتمرِ الوطني والحركةِ الإسلامية بعد سقوطِ النظامِ إلى ثلاثة أنواع:
عضويةٌ مُلتزمةٌ بالفكرة والمشروع
ولكنها مُحبِطةٌ من التجربة، وما آلت إليه الأوضاع، تُعاني انكساراً نفسياً، وعدمَ رغبةٍ في مواصلة السير، بذات الحماسِ القديم.
فئةٌ مُستفزَّةٌ من سيطرة اليسار والعلمانيِّين على المشهد، وترى ضرورةَ المواجهة والتصدي، وعدم الانسحاب من الملعب السياسي.
أما الفئةُ الثالثةُ، فأهلُ المصلحة والارتزاق، وهذه بدأت في غسل يديْها وتغيير أرديتِها وخلعِ أحذيتها للهروب السريع من ماضيها، مُكتفيةً بما كسبت من غنائم، بل بعضُهم عادَ للمسرح السياسي عبر بابٍ جديد!!
-٢-
تعجَّب كثيرونَ في بعض المؤسسات من التحول الذي طرأ على بعض الأفراد الذين كانوا من أهل النظام السابق وخاصته، أو المستفيدين منه أو من بعض أطرافه عبر أنفاق سرية!
للمفارقة، بعضُ هؤلاء صعدوا لمواقعهم الحالية عبر رافعة التمكين وبعض منهم راكَموا ثرواتٍ ونالوا امتيازاتٍ بدعم النظام وتسهيلاته .
مستغلين في ذلك ضعفَ الذاكرة الشعبية وتسامحَ المحيط العام مع أمثالهم من أصحابِ العيون البيضاء!
-٣-
قلنا من قبل:
من الآثار السالبة للثورات، أنها تفتح البابَ واسعاً أمام الادَّعاءات والأكاذيب وامتطاء أحصنةِ البطولة في عالم الخيال والزيف.
كثيرون يُحاولون تغيير سيرتهم الذاتية، ويدَّعون لأنفسهم أدواراً بطولية، ويتسابقون لحجزِ مقاعدَ مُتقدِّمة في مسرح التاريخ، وآخرون يُريدونها (حاضرةً): مقعداً وثيراً وعلوَّ ذِكْر!
تجدهم ينتقلون بسرعة (أشعبية) من مائدةٍ إلى أُخرى دون غسْل الأيدي، ويُغيِّرون ملابسهم وأقنعتهم، بخفَّة لصوصية، مع إطفاء الأنوارِ والعودةِ للفاصل الجديد!!
-٤-
كثيرون تسمعُ اليوم أصواتَهم عالية، وترى ادّعاءاتهم العريضة. يدّعون ثوريةً كذوباً ويسبِّحون مع التيار ويرقصون على الحبالِ ويدسّون صوتهم في كورال الثورة.
كانوا بالأمس يقرعون أبواب المسؤولين ليلَ نهار، ويتودَّدون إليهم بالأقوال والأفعال والابتسامات اللوامع، علَّهم يكسبون رضًا ويزدادون كيلَ بعيرْ!
لا تكتملُ مراسمُ زواج أبنائهم وبناتهم ما لم يحضُر البشير، لا معنى لأفراحهم وأحزانهم ما لم يكن الصفُّ الأول في المناسبة من رموزِ وقياداتِ النظام السابق!!!
-٥-
لابد من الفرزِ والتمييزِ بالكشفِ والفضحِ بين من يدعو للتغيير والتفكيك من أجل مصلحةٍ عامةٍ مبتغاة، ومن يريد، نفاقاً وانتهازيةً، تحقيقَ مصالح خاصة مرتجاة.
ما يجب أن تنتبه إليه حكومة الدكتور عبد الله حمدوك ألا تشتري بضاعةَ نوعينِ من تجارِ المواقف:
أصحابُ مصالح فاسدة يُريدون حمايتها في الوضع الجديد فتجدهم يتقربون زُلفى للحاكمين الجدد.
والنوع الثاني من يعانون شعوراً بالغبن يُمازج الحقد والحسد يريدون تصفيةَ حساباتهم الشخصية مع منافسين أو زملاء مضوا أمامهم بكفاءةٍ واقتدار٠
هؤلاء وغيرهم يريدون استغلالَ الأجواء الثورية لحماية غنائمَ سابقةٍ وتحقيقِ مكاسبَ جديدةٍ وغسلِ ملابسِ قديمة.
لذا تجدَ في بعض المؤسسات الأعلى صوتاً من دُعاة الاقصاء والتفكيك هم من كانوا في الأمس الأقربَ للسَّابقين والأكثر استفادة منهم.
لذا تجدهم يعْمُدون للمبالغة والتطرُّف في إدانةِ ما مضى والمزايدةِ على من كانوا معهم في السابق حينَ مغْنَم.ْ
-أخيراً-
نعم، كلّما رأيتُ هؤلاء واستمعتُ إليهم تذكّرتُ مقولةَ الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل: (أكثر المواقف تطرُّفاً هي محاولةٌ لإخفاءِ أكثرِ المواقف انتهازية)!
ضياء الدين بلال