مازالت فضيحة تدمير السفينة الأمريكية ليبرتي بواسطة الطيران العسكري الاسرائيلي عام 67 بالبحر الأبيض المتوسط تهز وجدان الجيش الأمريكي وتزلزل ثقتهم في البنتاغون والادارة الأمريكية.
فقد اعترف الناجون والجرحى من الضربة الصدمة بأن الطيران الإسرائيلي كان يعلم أن السفينة أمريكية وأنهم قد تلقوا الإشارات التي تؤكد ذلك، ورغم ذلك قاموا بتدمير السفينة وقتل أكثر من 34 جندي أمريكي بدم بارد، لكن اللوبي الصهيوني استطاع ان يلملم القضية ويخضع ليندون جونسون الرئيس الأمريكي انذاك بان يصدر مع الحكومة الاسرائيلية بيانا مشتركا يؤكدان فيه ان التدمير كان خطأ في التقدير والمعلومات.
وما زال الجنود الشهود وأسر الضحايا يرفضون هذه التنازلات الوضيعة، وبعد مرور سنوات طويلة من حادثة ليبرتي قامت (القاعدة) بتدمير المدمرة كول في خليج عدن ومرغت سمعة الجيش الأمريكي الذي لا يقهر بالتراب والغريبة أن الضحايا كانوا 17 ويبدو أن مضاعفات الرقم17 ستظل تطارد الجيش الأمريكي طويلا ولأن (الذي لا يملك ظهرا يجلد على بطنه) كما يقول المثل السوداني، لم يجد القاضي الأمريكي من يدينه غير القاعدة الخفية والولايات المتحدة السودانية الماثلة.
صدرت مجموعة أحكام بالادانة الجنائية والتعويضات التي وصلت ل3 مليار دولار أمريكي ، وسخرت القوى المحبة للسلام من الحكم الجائر الذي كان فيه القضاء الأمريكي هو الخصم والحكم مع ان ذات القضاء وذات العدالة الأوروبية والعالمية صمتت صمت القبور حين تم ضرب مصنع الشفاء للأدوية البشرية والبيطرية، والذي مازالت قضيته معلقة بلا إدانة وبلا تعويض وبلا اعتذار لدولة تدعي بأنها إمام وشفيع العالم الحر.
وقبل أيام اصابت الدهشة الشعب السوداني حين قرأ وشاهد واستمع للدكتور حمدوك يقبل حكم القضاء الأمريكي ويقر بالادانة التي لم تكن في زمانه ولا مكانه، بل إنه يلزم الشعب السوداني أن يدفع للنظام القضائي الامريكي الظالم والضحايا المزعومين أكثر من 3 مليار دولار لا يملك منها الدكتور (التكتح)، ومما زاد الأنفس أسى ولوعة وحيرة أن الرجل ذهب ليرفعنا من قائمة الإرهاب، وليبطل عنا الديون وليملأ خزائننا الفارغات بما خف وزنه وغلا ثمنه، فإذا بالجائزة اللعينة تضيف علينا عبئا جديدا لم تكن الحكومة الانتقالية طرفا فيه ولا شريكا ولا متهما. فادخلنا الرجل فجأة في المسرحية العبثية الموسومة بعنوان (نحن نفعل هذا أتعرفون لماذا؟) .
إن الدكتور حمدوك يذكرني بفعلته هذه بحكاية الصنايعي بابكر ود الضكير نجار مدرسة البنات الثانوية الذي كان ينتاشه الفقر من جهة ولسان زوجته السليطة من جهة ثانية، وعندما كان يهددها بالزوجة الثانية كانت تواجهه باتهامها اليوماتي : (في واحدة بتعرس ليها جبان وفقران؟) ودارت الأيام وفي احداها بثت فيه المعلمة (سيدة بت المبارك) الأرملة الاربعينية عبارة عابرة ساحرة : (أنت يا ود الضكير زينة الرجال وتتمناك العشرات، ونحن على استعداد للعديل والزين وبيت الحلال جاهز من كلو) ، واستمرت المغازلة الحميدة من قريب وبعيد حتى خارت قوى ود الضكير من الملاحقات الدؤوبة، ولكن مفردتا الجبان والفقران كانتا تطاردانه مع القهر المستديم للزوجة السليطة، وتؤخر القرار التاريخي.
وفي ذات يوم رقيق النسيم كثير الغيوم قصير العمر كما يقول الحسين الحسن في رائعة حبيبة عمري للكابلي صاح ود الضكير كالمجذوب في وجه إبنه قائلا : (أنا أبوك يا البشرى! علي الطلاق الليلة أنا زول عقد ساكت، ويمين الله تاني أبوك خوف وفقر ما يبقن عليهو).
فاذا كان لدكتور حمدوك حجة مثل حجة ود الضكير اغرته بالتوقيع والتسليم والتعويضات فأنا في هذه معه..وله الحق في صيحة ابو البشرى: فقر وخوف ما ببقن عليهو. واشهدوا يا أولى الألباب فأنا الشاهد الأول في قسيمة ترضيات اليانكي، والشاهد الثاني حزمة من الرجال والنساء يملؤون ردهات قصر غردون وساحة الحرية، لا تأخذ اجرا على الصباحية، ومولانا مفرح بتاع الأوقاف لا يأخذ اجرا على القسيمة!
حسين خوجلي