عودة السفير الأميركي للخرطوم .. إنجاز وليس الهدف الأكبر لزيارة حمدوك لواشنطن

أخيرا سيستقبل مبنى السفارة الأميركية بالخرطوم -الأضخم بين سفارات الولايات المتحدة بأفريقيا- سفيرا لدى الخرطوم، بعد أن ظل تمثيل واشنطن الدبلوماسي بدرجة قائم بالأعمال لـ23 سنة.

لكن الترفيع -حسب محللين وسياسيين- يظل دون طموح السودان، الذي تشغل باله قضايا مع الولايات المتحدة تمس عظم اقتصاده المترنح وسياسته الخارجية الساعية للدفء مع الغرب.

ومنذ السبت الماضي بدأ رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة تستغرق ستة أيام لإجراء مباحثات رسمية مع مسؤولين أميركيين في وزارات الدفاع والخزانة والخارجية والكونغرس.

وتستهدف زيارة حمدوك -الذي اصطحب معه وزراء العدل والشؤون الدينية والشباب والرياضة- إسقاط العقوبات برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.

آراء متباينة
ولاعتبارات أن ترفيع التمثيل الدبلوماسي هو أبرز ثمار زيارة حمدوك حتى الآن؛ تباينت الآراء بشأن أهمية الخطوة في المسار المتعثر لعلاقات البلدين.

ويرى راشد محمد علي الشيخ الباحث وأستاذ العلاقات الخارجية أن الترفيع الدبلوماسي رسالة طمأنة من واشنطن تفيد بموافقتها على التغيير السياسي في السودان، وإن جاءت متأخرة بعد فصل من المراقبة والتأكد من التغيير.

ويقول الشيخ للجزيرة نت إن الخطوة تعني إبعاد الملف من الحيز الأمني في دعم ورعاية الإرهاب، ونقله إلى الحيز السياسي المتمثل في الحوار والمصلحة المشتركة.

لكن في المقابل، يؤكد رئيس حزب اتحاد قوى الأمة والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية عبد المحمود عبد الجبار أن الترفيع الدبلوماسي لا ينطوي على جديد.

ويمضي ليقول إن الخطوة فيها خداع لمجلس الوزراء، وبدورها تخدع بها قوى إعلان الحرية والتغيير (الائتلاف الحاكم) السودانيين، لأنه من الأساس لم تكن هناك قطيعة بين البلدين.

حوافز مرحلة
ويبين عبد الجبار في حديثه للجزيرة نت أن السودان كان لديه سفير حتى سقوط نظام الرئيس المعزول عمر البشير، وهو الفريق أول أمن محمد عطا.

ويشير إلى أن الترفيع لا يعني شيئا لواشنطن، لأنها كانت تنسق قبله بشكل كامل مع الاستخبارات العسكرية وجهاز المخابرات العامة بالسودان في ملفات مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.

وطبقا لدبلوماسي -فضل حجب اسمه- فإن ما حدث الآن من ترفيع دبلوماسي مجرد حوافز مرحلة من حقبة النظام السابق تم قبولها الآن بتعجل.

وعليه -وفقا للدبلوماسي- فإنه كان لا بد لحمدوك أن يظفر بشيء من زيارته، وهذا الشيء كان قرار تبادل السفراء.

وينصح رئيس الوزراء بعدم المراهنة على بعض الناشطين السودانيين في أميركا لأنهم ناشطون لديهم نفوذ بين المجموعات الحقوقية التي يمكن أن تنجح في تشديد العقوبات، لكنهم غير مفيدين في مجال المال والمصالح بين البلدين.

عود على بدء
ويقلل محمود عبد الجبار من نتائج زيارة حمدوك لواشنطن، ويرى أنه بدأ من حيث بدأ نظام البشير الذي عندما انتهت المرحلة الأولى من حوار البلدين طلب أن يستعيد السودان استحقاقاته على أميركا بعد فصل جنوب السودان.

ويقول إن الإدارة الأميركية اقترحت الترفيع الدبلوماسي على الحكومة السابقة، لكن البشير رفض واقترح السماح أولا بتحويلات محدودة للأموال في حدود ثلاثين ألف دولار قائلا إنه لا يستطيع تحويل راتب السفير السوداني بواشنطن.

وحينها -حسب عبد الجبار- طلبت واشنطن رفع قدرات الجهاز المصرفي، وهو ما رفضه البشير، الذي اقترح بدوره فتح فرع لمصرف “سيتي بانك” بالخرطوم، فطلبت واشنطن تقريرا فنيا من فرعي البنك بنيروبي والبحرين لتقرر إذا كانت ستفتح فرعا “لسيتي بانك” أم أنها ستكتفي بنافذة للمصرف ببنك الخرطوم.

ويتهم الرجل جهاز الأمن بتضليل البشير بحملة قام بها الجهاز ضد الفساد، استهدفت البنوك، فهاجم البشير الفساد فيها وجرى توقيف نائب رئيس مجلس إدارة بنك الخرطوم، مما جعل واشنطن تعيد حساباتها.

دور إقليمي
ويشرح الدبلوماسي أن الأميركيين عندما تعجلوا دخول المرحلة الثانية من الحوار مع النظام السابق من دون الإيفاء بوعودهم بتطبيع العلاقات حدث انقسام داخل مؤسسات الحكومة السودانية حينها.

ويضيف أن وزارة الخارجية وجهاز الأمن كان موقفهما بدء المرحلة الثانية للحوار، في حين رأت الرئاسة وبنك السودان وقطاع المال والأعمال ضرورة جني ثمار المرحلة الأولى قبل استئناف الحوار.

لكن أستاذ العلاقات الدولية راشد محمد علي الشيخ ينبه إلى أن الحكومة الانتقالية بقيادة حمدوك تمكنت عبر نقلات أجرتها على مستوى الدولة والاعتراف بالمشكلات من حمل واشنطن على التعامل بحسابات دقيقة، وتعيد السيطرة على الإقليم الملتهب عن طريق الاعتراف بالتغيير في السودان.

ويتابع “أميركا بحاجة لأن يظل الإقليم بعيدا عن أي سيولة أمنية، وربما تكون هناك أدوار إقليمية للسودان لاستقرار المنطقة، وقياس أميركا الأخير شكك في أهمية السودان الإقليمية لكن الحكومة الانتقالية استطاعت تفنيد القياس”.

بطاقة رابحة
ويصف الشيخ الخطوة الأميركية بأنها تعني إعادة انفتاح السودان على الإقليم على مستوى المنظمات وعودته لمستوى التأهيل، بعد أن صنفه القياس الأميركي بأنه دولة غير مؤهلة للتعامل.

ويرى أن الترفيع الدبلوماسي له ما بعده، وأن أميركا استخدمت البطاقة الرابحة، لأن السفير يمثل الدولة ويتحرك بسهولة، بينما القائم بالأعمال لا يستطيع تجاوز الدور المحدد.

ورغم أن عبد الجبار انتقد اصطحاب حمدوك وزيري الشؤون الدينية والشباب والرياضة بدل وزير الدفاع ومدير المخابرات كما كان يحدث سابقا لمخاطبة تخوفات واشنطن بخصوص الإرهاب، فإن راشد الشيخ يعزي ذلك إلى نقل العلاقات لبعدها السياسي بدل الأمني.

وتبقى المقارنة قائمة بين علاقات واشنطن مع الخرطوم قبل وبعد الثورة، وهو ما عبر عنه الصحفي السوداني المقيم بلندن خالد الأعيسر عبر تغريدة في حسابه بتويتر عندما أفاد بأن واشنطن تملك بالخرطوم ثاني أكبر سفارة في العالم، وعلاقتها بنظام البشير كانت أعمق من الظاهر.

أحمد فضل-الخرطوم ـ الجزيرة نت

Exit mobile version