الخرطوم في قلب الشتاء، البرد القارص يجمد الآلاف المتيبسين في الشوارع الموحشة، انهارت السيقان العجاف من شدة الانتظار، تلاشت الكلمات بين المجاميع فقد ادخروا فتات الطاقة ليبقوا على قيد الحياة، البطون خاوية والجيوب، مات بريق الأمل والتطلع في العيون المرهقات، صرخ في وجوههم ثائر احترافي، تدرب حلقومه على الهياج ومفرداته على الفتنة، أيها المضطهدون ازحفوا صوب المطعم الأممي للحساء والوجبات المجانية، تدافع الآلاف الى المبنى الناصل اللون العتيق وامتدت الأيدي المتعبة صوب الأطباق الفارغة، اجاب خازن المستودع باضطراب وخوف وصوت متعثر ، ايها الرفيق للأسف المخازن بلا حنطة والفلاحون غادروا الحقول بلا رجعة.
انعقدت الألسن وانعقدت اللجنة الحزبية عاجلا وقررت طرده بتهمة التحريفية والخيانة وموالاة الثورة المضادة، وفرقع كرباج الطرد من الخدمة لمسئول المؤسسة التعاونية الاشتراكية الخالية الوفاض، وفي صباح اليوم التالي اضاف عامل النظافة في البهو الرمادي الكبير صورة جديدة للمغادرين حمدوك وحمدان وحمدون وحماد وحمادة. لم يهتف احد ولم يعترض احد. نام الآلاف على الأرصفة جوعا ويأسا واكتئابا، صاح المغني بالنشيد اعداء الثورة قادمون فلم ينتفض احد، وصاح المؤذن بالنداء حي على الفلاح فلم ينهض أحد، انتهت المسرحية وأُسدل الستار!
حسين خوجلي