رغم النصوص الدينية والقانونية، والجهود الحكومية للحيلولة دون ذلك، ما زالت بعض النساء الأردنيات – خصوصا المتزوجات- يتركن إرثهن، سواء طواعية بسبب العادات والتقاليد، أو كرهًا من العائلة، التي لا تسمح بأن تذهب أموالها لشخص غريب.
تعتبر جمعية معهد تضامن النساء الأردنيات، حرمان النساء من الإرث أبرز أوجه التمييز ضد المرأة في الأردن وربطت في تقرير لها ما بين تدني مستوى ملكية النساء الأردنيات لأصول الأسرة من أراض وشقق وماشية وأدوات وآلات وبين حرمانهن من الميراث، ما يؤدي إلى نتائج سلبية كبيرة على الأمن الغذائي وعلى إمكانية خروجهن من دائرة الفقر.
وتنتشر هذه الظاهرة على الرغم من القيود الموضوعة على معاملات التخارج (التنازل الطوعي عن الأموال بمقابل أو دون مقابل وقد يكون شاملاً جميع الحصص الإرثية أو خاصًا ببعض الأموال)، حيث تنص المادة (1) من تعليمات تنظيم وتسجيل معاملات التخارج لعام 2011، بأنه يمنع تسجيل أي تخارج عام أو خاص إلا بعد مرور ثلاثة أشهر على وفاة المورث.
تستثني المادة بموافقة قاضي القضاة تسجيل التخارج العام أو الخاص قبل مضي المدة المشار إليها في الفقرة السابقة حال وجود مسوغ شرعي آو قانوني
نساء الأردن والإرث
وتقول جمعية تضامن إن “هذه النصوص لا تسعف كثيرًا في تحقيق النتيجة المرجوة وهي منع إكراه النساء على التنازل عن حصصهن الإرثية لا بل يتم حرمان الإناث من حصصهن بالامتناع عن تقسيم الإرث واستغلاله من قبل الورثة الذكور، ولا بد من إجراء تعديلات على هذه التعليمات تتضمن رفع المدة إلى ستة أشهر، وتقييد إمكانية تسجيل التخارج استثناء قبل إنتهاء المدة”.
وأضافت الجمعية المهتمة بنساء الأردن: “لابد من منع إتمام معاملة التخارج قطعيا وتحت طائلة البطلان إذا تم قبل ثلاثة أشهر، والنص على إلزامية إحضار حصر للتركة وإرفاقه بمعاملة التخارج، والتأكد من أن مواصفات المال المتخارج عنه وقيمته الفعلية معروفة لجميع المتخارجين مع أخذ إقرار منهم بذلك، ومنع أشكال التصرف الأخرى بالمال الموروث قبل مرور هذه المدة كالوكالات غير القابلة للعزل، والتشدد في الملاحقة الجزائية للإقرارات المزيفة بقبض الثمن أو قبض قيمة الحصص، وتجريم أساليب الضغط والإكراه في سبيل الحصول على التنازل وإبطال التنازل الذي يتم بالإكراه خلال مدة لا تقل عن سنة من وقوعه والحكم بالتعويض عنه خلال مدد التقادم العادي”.
وتابعت: “حرمان النساء من الميراث سواء بإجراء عمليات التنازل من قبل الآباء لأبنائهم الذكور أو بإجراء التخارج بالتودد والتخجيل أو بممارسة الضغوطات العائلية والتهديد والإكراه للتنازل عن حقوقهن الإرثية، إضافة إلى جهل النساء بحقوقهن أو خوفهن من المطالبة بها، جميعها تعمل على توسيع دائرة النساء اللاتي لا يملكن المنازل والأراضي، وترسخ لما يعرف بتأنيث الفقر الذي يزيد من أعداد النساء الفقيرات والمهمشات وغير القادرات على إعالة أنفسهن وأسرهن”.
وبدأت جمعيات المجتمع المدني وحقوق الإنسان مؤخرًا توعية المرأة الأردنية في هذا الصدد، وأطلقت جمعية سيدات خشاع القن الخيرية حملة #تسامحيش_بحقك لدعم وإرشاد النساء في المطالبة بحقهن بالميراث ، ضمن مشاركتها بحملة “16” يوم لمناهضة العنف ضد المرأة.
توعية مجتمعية للمرأة
بدوره قال مسعد الشرفات مدير مشروع حملة “تسامحيش بحقك”، إن “عدم ميراث المرأة قضية هامة ومحورية، منتشرة في المناطق النائية والبوادي، ورغم التوعية ما زالت هناك نسب كبيرة منتشرة”.
وأضاف في تصريحات لـ”سبوتنيك”، أن “جمعية سيدات خشاع القن الخيرية، أطلقت مشروع بعنوان “صوتك هويتك”، بالتعاون مع راديو البلد وشبكات إعلام مجتمعي، تضمن المشروع حملة “تسامحيش بحقك”، في محاولة لتوعية المرأة الأردنية خصوصا القروية بحقوقها في الميراث”.
وأكد أن “الحملة مدعومة بمواد إعلانية ورسوم كريكاتيرية، وفيديوهات لقصص عن حقوق المرأة في الميراث، ومقالات صحفية، بالإضافة إلى محاولة تدقيق وتصحيح الأمثال المنتشرة والتي تعيق وصول سيدات الأردن لحقوقهن في الإرث”.
وبشأن السبب في انتشار هذه الظاهرة، قال الشرفات إن “العاطفة عند المرأة التي تفقد الرجل تمنعها دون المطالبة بالإرث، وكذلك الجهل بالقوانين، وعدم معرفة الأماكن التي يجب الرجوع إليها، إضافة إلى العادات والتقاليد التي يقتنع بها الرجال والنساء أيضًا، بشأن عدم حصول المرأة المتزوجة لإرثها، حتى لا تذهب أموال عائلاتها إلى عائلة أخرى”.
وعن الأمكان التي تشهد انتشارًا كبيرًا لهذه الظاهرة، أضاف: “دائمًا ما تستهدف هذه المشاريع المناطق النائية والبدوية والقروية في الأردن، إلا أن النتائج التي تم جمعها في المشاريع السابقة، أكدت أن نسبة حرمات المرأة من الميراث في المدن، أكثر من هذه المناطق، لذا يستهدف المشروع الحالي المرأة في جميع مناطق المملكة”.
ضغوط عائلية
حياة حسين علي مسيمي، نائبة في لجنة المرأة بالبرلمان الأردني، قالت إن “العديد من نساء الأردن يتركن إرثهن للإخوات في حالة إرث الوالد، أو الأبناء في إرث الزوج، طواعية أو من مبدأ الخجل، وأحيانًا بالضغوط والإكراه”.
وأضافت في تصريحات لـ “سبوتنيك”، أن “الأردن نفذ مؤخرًا إجراءات إدارية لمنع التخارج (تقسيم وتوزيع الإرث) في فترة الثلاثة شهور الأولى من الوفاة، ومنعت النساء من توقيع أي إجراء رسمي في هذه المدة الزمنية”.
وتابعت: “الفترة الأولى من الوفاة تتأثر السيدات بشكل كبير، وقد تتعاطف مع من حولها من إخوة أو أبناء، وتكون أسهل للاستجابة للضغوط من حولها، لكن بعد القانون الجديد صار من الضروري مرور فترة بعد الوفاة، تكون فيها المرأة أكثر صلابة وقدرة على اتخاذ قرار عقلاني”.
وأشارت إلى أن “حملات التوعية التي تنتشر في الأردن بالفترة الحالية، تهدف إلى توعية السيدات خصوصا في المناطق النائية والريفية لتعرف حقوقها التي منحها الله إياها، للحفاظ عليه، وعدم الاستجابة للضغوط الأسرية”.
ومضت قائلة: “رغم ذلك هناك حالات تتعرض لهذه الحالة من ترك الإرث نتيجة الضغوط العائلية، لا يمكن أن ننكرها وتحتاج المرأة الأردنية لمزيد من التوعية في هذا الشأن، خصوصا وأن العادات والتقاليد تتغلب في كثير من المناطق”.
مؤشرات وأرقام
وبلغت معاملات الإرث والتخارج لعام 2017 بحدود 23998 معاملة منها 5108 معاملة تخارج وبنسبة 21.3% وفقاً للتقرير الإحصائي السنوي لعام 2017 والصادر عن دائرة قاضي القضاة في الأردن.
في حين بلغ عدد معاملات الإرث والتخارج خلال خمسة أعوام (2013-2017) 111859 معاملة منها 23761 معاملة تخارج وبنسبة 21.2%.
وأكد التقرير الإحصائي السنوي لعام 2015 والصادر عن دائرة قاضي القضاة في الأردن على أن عدد معاملات الإرث والتخارج خلال خمسة أعوام (2011-2015) بلغت 102142 معاملة منها 21799 معاملة تخارج وبنسبة 21.3%..
سبوتنيك