مراقبون ومحللون سياسيون يتوقعون عودة الحزب الوطني بهذه الطريقة

رجح مراقبون ومحللون سياسيون سودانيون عودة “حزب المؤتمر الوطني” الذي كان يتزعمه الرئيس السوداني السابق عمر البشير إلى الساحة السياسية بمسمى جديد مع تغيير واسع لقياداته ببروز أسماء شابة غير معروفة سياسياً، وذلك في أعقاب إقرار الحكومة الانتقالية السودانية قانوناً يقضي بحل الحزب ومصادرة أمواله وتعليق النشاط السياسي لرموزه بعدما حكم البلاد مدة 30 سنة. لكن هناك مَن يرى أن ظهور حزب البشير مجدداً إلى الواجهة السياسية تحت أي لافتة يشكّل تحدياً ماثلاً، إذ قد يواجه مصير حزب الرئيس الأسبق جعفر نميري (الاتحاد الاشتراكي) الذي تبخر بعد الإطاحة به في أبريل (نيسان) 1985.

منافذ أخرى

المحلل السياسي محمد أحمد شقيلة، أكد أن حل “حزب المؤتمر الوطني” يُعتبر قراراً مهماً وخطوة ضرورية لأسباب موضوعية عدة يأتي في مقدمها أن الشعب عندما ثار، كان ذلك ضد هذا الحزب وضد نظام حكمه وبالتالي فإن حله يدخل ضمن إطار تفكيك مؤسسات الدولة العميقة للنظام الحاكم السابق. ولفت شقيلة إلى أن عدم حل “المؤتمر الوطني” يمثل خطراً كبيراً على الثورة الشعبية لجهة أنه سيقوم بثورة مضادة، لكنه رأى أنه لا يجب إقصاء التيار الإسلامي من المشهد السياسي أو حظر منظومة الإسلام السياسي في السودان من ممارسة نشاطاتها ضمن إطار القانون، متوقعاً عودة حزب البشير مجدداً عبر أبواب ومنافذ أخرى، منها تغيير اسمه أو الذوبان في أحزاب تتفق معه في الأيديولوجية والطرح السياسي.
في السياق ذاته، أشار أستاذ العلوم السياسية في جامعة أم درمان الإسلامية راشد التجاني، إلى أن حزب المؤتمر الوطني ليس لديه مستقبل، حتى وإن لم يتم حله وإبعاده عن الحياة السياسية، إلى جانب أنه وفق قرار حلّه لا يستطيع المشاركة مع بقية الأحزاب إلا إذا غيّر مسماه. ولم يستبعد التجاني أن يتحالف “المؤتمر الوطني” مع الأحزاب المتقاربة معه أيديولوجياً، على سبيل المثال “حزب المؤتمر الشعبي”، فيما اعتبر ذهاب حزب البشير باتجاه إنشاء حزب جديد مخاطرة، و”لا تستطيع هذه الفكرة أن تقنع الناس”.

رفض الحل

في المقابل، رفض حزب البشير على لسان رئيسه المكلف إبراهيم غندور قانون تفكيك نظام الإنقاذ وحل الحزب، قائلاً “نرفض القانون غير القانوني”. وأضاف أن “الشعب السوداني الذي خرج في تلك الثورة الفريدة وقدم كل أولئك الشهداء كان ينتظر حكومة تهتم بمعاش الناس، لا حكومة تجتمع أكثر من 14 ساعة من أجل كتابة ما سمي مجازاً قانوناً لحل حزبنا”. وزاد “ما أجازوه أبعد ما يكون عن مبادئ القانون، لقد فشلت الحكومة في تقديم أي نجاح للوطن والمواطن في أي مجال كان، لن يمنعنا القرار من ممارسة حقوقنا التي كفلتها لنا كل القوانين الوطنية والمواثيق الدولية”.
في الوقت ذاته، تختلف الآراء بين قيادات حزب البشير حول مسألة تغيير اسم الحزب، ففيما حذر القيادي في “حزب المؤتمر الوطني” قُطْبي المهدي من سيناريوهات تطرح تغيير اسم الحزب، مؤكداً أن تبديل الاسم ليس من مصلحتهم لأنه يعني إدانة كل تاريخ المؤتمر الوطني. ورأى أنه من اللازم تغيير القيادات والوجوه باعتباره مطلباً ضرورياً للرأي العام وحتى لعضوية الحزب وقواعده التي لن ترضى بالوجوه القديمة على خلفية أزمة ثقة طويلة، تشير قيادات أخرى إلى أن كل الأبواب مفتوحة أمام تغيير الاسم أو التحالف مع أحزاب أخرى، لافتةً إلى أن تلك الأبواب ليست صنيعة المعطيات الموجودة الآن بل إنها “برنامج موضوع منذ فترة يتحرك الحزب لتنفيذه”، مشيرين إلى أن “هذه ليست المرة الأولى التي يمر فيها الحزب بمنعطفات، إذ مرّ قبل ذلك بعواصف كبيرة مشابهة لهذا القرار إلا أنه يحتفظ بمكونه الفكري، لذلك كل الخيارات مفتوحة”.

مراجعات وتغييرات

في الشأن ذاته، توقع القيادي في “المؤتمر الشعبي” كمال عمر، وهو الحزب الذي أسسه الترابي عقب خلافه مع البشير في عام 1999، في حديث إلى”اندبندنت عربية” أن تتجه الحركة الإسلامية في السودان بعد تجربتها في السلطة فترة امتدت لـ 30 سنة إلى إحداث تغيير شامل في توجهاتها خلال المرحلة المقبلة من خلال الظهور في المشهد السياسي بمظهر جديد وشعارات جديدة وتنظيم بمسمى جديد والقيام بمراجعات حقيقية والحديث بوضوح عن الحريات وعدم استغلال الدين كشعار إقصائي نظراً إلى الفشل الذريع لمشروع الحكم السياسي في البلاد، مؤكداً وجود مسعى إلى إنشاء حزب بتصور جديد يضم كل مكونات الحركة الإسلامية بقيادة عناصر جديدة. كما طالب القيادي في “المؤتمر الشعبي” الحركة الإسلامية بالتواصل مع بقية القوى السياسية السودانية من دون إقصاء وأن تعمل بجدية لإنهاء شعاراتها الإقصائية التي تتحدث عن المشروع الإسلامي، نافياً في الوقت ذاته وجود أي اتجاه لتوحيد مكونات وتنظيمات الحركة الإسلامية، مبيناً أنهم مهمومون حالياً بوحدة الوطن، وقال إن “أي شعار لا يهتم بقضايا الوطن غير مفيد، ومسألة توحيد الحركة الإسلامية تأتي في المستقبل القريب”.

قانون التفكيك

لكن ما هو قانون تفكيك نظام البشير وما أبرز بنوده وآثاره المتوقعة في المشهد السياسي السوداني؟
يستهدف هذا القانون مجمل البنية السياسية وشبكة علاقات القوى التي بناها ما يُعرف بـ”نظام الإنقاذ” في السودان، وهو النظام الذي جاء عقب الانقلاب الذي قاده البشير على السلطة الشرعية المنتخبة في السودان في 30 يونيو (حزيران) 1989 واستمر في الحكم ثلاثة عقود. وينص القانون على حل “حزب المؤتمر الوطني” الحاكم في عهد البشير، وحذفه من سجل التنظيمات والأحزاب السياسية في السودان، فضلاً عن حل مجمل الواجهات التي كان يستخدمها والمنظمات الأخرى التابعة له أو لأي شخص أو كيان مرتبط به. ويقر القانون، العزل السياسي بحق مَن يسميهم “رموز نظام الإنقاذ” أو الحزب بمنعهم من ممارسة العمل السياسي مدة لا تقل عن 10 سنوات.
وتضمن القانون مصادرة ممتلكات الحزب وأصوله لتصبح ملكيتها لحكومة السودان، وفق ما تقرره لجنة خاصة في هذا الصدد. وأعطى القانون هذه اللجنة حق الملاحقة القانونية ومصادرة الممتلكات وتحديد طريقة التصرف بها. وحدد القانون مَن يقصدهم بتعبير “رموز المؤتمر الوطني” بأنهم “أي شخص شغل منصباً في ما يُسمى مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني أو أي شخص كان عضواً في مجلس شورى الحزب أو عضواً في المجلس القيادي للحزب بمَن فيهم من شغلوا منصب رئيس الجمهورية أو نائب رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس التشريعي أو والٍ أو وزير اتحادي أو ولائي أو مدير لجهاز الأمن أو نائب عام أو نقيب للمحامين أو رئيس للقضاء أو للمحكمة الدستورية لجمهورية السودان إبان نظام الإنقاذ”.

لجنة للتنفيذ

وبهذا لا يقتصر القانون على استهداف هياكل الحزب السياسية بل يتعداها إلى ملاحقة نفوذ الحزب في الاتحادات المهنية والمؤسسات الحكومية والقضائية والمنظمات الثقافية وشركات القطاع العام أو المؤسسة بقانون خاص. ويسعى القانون هنا إلى إزالة ما يسميه “التمكين” خلال فترة حكم النظام السابق، الذي يعرّفه على أنه “أي طريقة أو أسلوب أو عمل أو تخطيط أو اتفاق للحصول على الوظيفة العامة أو الخاصة إنفاذاً لسياسات نظام الإنقاذ سواء بالفصل من الخدمة تحت مظلة الصالح العام أو بتعيين منسوبي نظام الإنقاذ أو إحلالهم ليتولوا بأي وسيلة أو يسيطروا على الوظائف أو المصالح أو المؤسسات القائمة”. كما يقع تحت التعريف كل ما نجم عن “الحصول على أي ميزة أو إعفاء أو امتياز أو إتاحة فرص للعمل بسبب الولاء التنظيمي أو الانتماء السياسي أو القرابة لأحد رموز نظام الإنقاذ أو قيادات الحزب أو الأفراد الذين نفذوا أو ساعدوا في الاستيلاء على السلطة عام 1989”.
ولتنفيذ هذا القانون، حدد المرسوم إنشاء لجنة خاصة باسم “لجنة تفكيك نظام الإنقاذ” يكون رئيسها أحد أعضاء مجلس السيادة. وتضم في عضويتها وزير العدل ووزير الداخلية ووزير الصحة وممثلين عن جهاز الاستخبارات ومصرف السودان المركزي، فضلاً عن خمسة أعضاء يختارهم رئيس الوزراء.

المصدر : (جريدة اندبندنت البريطانية)
كوش نيوز

Exit mobile version