تعترِي الساحة السياسية هذه الأيام، حالة من السُّعار المُمِيت ونُذُر شقاق سياسي واجتماعي لا تُحمد عقباه، وانجرار إلى القاع بسرعة، والرقص على ألسنة النار الحارقة، وتكاد البلادُ تدخل إلى دوّامة صراع طويل يبدأ بالسياسة، وينتهي في الغالِب بمواجهات وعواقب وخيمة، بسبب قِصَر النظر، وعدم قُدرة من بِيدهم المِقوَد على استبصار الطريق الصحيح مع عجزهم عن قيادة البلاد إلى أوضاع آمنة، فجملة الأخطاء والتهوّر الذي نراه، سيُفضِي بالبلاد حتماً إلى فعلٍ ورد فعل، وانقسامٍ عميقٍ في بِنية المجتمع السياسي وفي البِنية الاجتماعية نفسها، وتمتلئ الساحة حتى أذُنيْها بمُقدّمات تجعل من البيئة العامة حَلَبة تتصارع فيها الأحزاب والقوى السياسية والحاكمون ومعارضتهم، وسيكون صراع وجود وحرب للبقاء خاصة مع عزم قوى الحرية والتغيير على ترك القضايا الحقيقية للمواطنين والضائقة المعيشية والتفرُّغ لإعداد القوانين المَعيبة لتصفية الحسابات مع خصومهم..
في ذات الوقت تَلعَب قوى الحرية والتغيير لعبة خطرة، وهي تستعدي المُكوِّن العسكري الشريك الأصيل في السّلطة وتتّجه بسهامها ونصالها إلى القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، وكل القوات النظامية الأخرى، فالكتابات الصحفية، وما يُكتَب في شبكات التراسُل الاجتماعي، وفي المُدوّنات الإلكترونية، وما تُصرّح به قيادات من الحرية والتغيير وبعضهم في مقاعد السلطة، يستهدفون به القوات النظامية، ستترتّب عليه بلا شك في نهاية الأمر ردود أفعال، تنتكِس بالبلاد إلى الوراء وتتعقّد الأوضاع السياسية والأمنية، واللهُ وحده يعلم ما الذي سيحِل بالبلاد بعدها.
عندما تغيب الحِكمة والحقيقة، وتختلِط وتشتبِه الأمور أمام ناظري الحرية والتغيير، ويُصبح الهدف هو إغراق البلاد في لُجّةِ المواجهات، سيكون الخاسِر الأكبر هو الوطن الجريح الذي يدفعون أبناءه دفعاً إلى بؤر النار اللاهبة، فقد بلغ الاستفزازُ قِمّته، منها استفزاز لقيم الدين والعقيدة، واستثارة الكراهية وبذر بذورها بين القوى الاجتماعية والسياسية، ثم محاولة التضييق والانتقام، فعندها لن يقِف من يُستَفَز مكتوف الأيدي، ولن يجِد من يشعُر بِدنوِّ البلاد من حافة الهاوية ما يعصمه من أن يفعل أي شيء وكل شيء من أجل إنقاذ ما يُمكن إنقاذه وإدراك ما يستوجب إدراكه، حتى لا تحل الكارثة..
واضحٌ أن ضيق الأفُق السياسي، وقلة الخبرة في إدارة العملية السياسية، ستودي بالبلد إلى موارد الهلاك، لو كانت الطريقة التي تتعامل بها قوى الحرية والتغيير بهذه الكيفية، فهي تُصافِح المُكوّن العسكري بيدٍ وتُحاول الطعن بيدها الأخرى، تتودّد إلى العسكريين بينما تعمل ليل نهار على إدانتهم وتجريمهم والكيد لهم والتحريض ضدهم بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة واللاأخلاقية، وفي ذات الوقت تُحاول استفزاز كل من يخالفهم الرأي السياسي من هيئات ومنظمات وأحزاب ومُنظّمات مجتمع مدني وأطياف اجتماعية، سيُعجّل هذا بتحالُف عريض مُعارِض، ثم يدفع بِغُلاة من يتشدّد لرد الجائحة وصد الهجمة، والبيئة السياسية والاجتماعية اليوم مُهيّأة لكل الاحتمالات ولا عاصم من أي تفلُّت..
ستقود الأخطاء السياسية الحالية إلى أوضاع قاتمة، فبمنطق الأشياء تتحرّك خصائِص الدفاع ومُواجهة الهجوم بصورة تلقائية، خاصة أنّ هناك أطواراً جديدةً من الفاعلين السياسيين بدأت تنمو وتبرُز، وقد تتشكَّل مجموعات لا مُنتمِية بدأت تكفُر بالأطر التنظيمية والسياسية القديمة، ستكون أكثر اندفاعاً وشراسة في معركتها السياسية لإثبات وجودها، وتستيقِظ فتنٌ كان الأوْفَق أن تظل خامِدة وخامِلة ونائِمة، وللأسف لا تقرأ مجموعات ناشطي الحرية والتغيير التطوّرات الاجتماعية والسياسية السريعة التي تحدث كل يوم، وتتجه بسُرعة البرق إلى مُربع جديد ومخيف، فالحكمة تقتضي أن ينتبِه الجميع إلى ما تُساق إليه البلاد بسبب تصرُّفات هذه المجموعة السياسية الحاكِمة التي تجهل خطورة النار التي تعلو من مُستصغَر الشَّرر، وما الذي وراء الأكمات الكُثر، فمثل هذه الانفجارات نتيجة لردّات الأفعال ستكون مُهلكة وذات موجةٍ عاليةٍ وخاطفة، لن نجد جميعاً إذا وقعت البلاد في أتونها وطناً نتداول ونتقاتل ونكيد لبعضنا فيه… نحن جميعاً نُراقِب من يصعد إلى الهاوية….. ألا هل بلّغت…
الصادق الرزيقي
الصيحة