أزمة المواصلات ..
عندما تصبح المواقف (شَركاً) لإصطياد المواطن
القطار والبواخر مواعين بديلة قيد التشغيل
مواطنون يجأرون بالشكوى من تجزئة المحطات وارتفاع التعرفة
سائقون: الفريشة يغلقون مداخل ومخارج المواقف بدواعي المدنية
أصحاب مركبات يطالبون بزيادة التعرفة واعفاء مدخلات قطع الغيار من الضرائب
تظل أزمة المواصلات بالعاصمة حجر العثرة الكوؤد التي تعترض طريق المواطن وتحول دون وصوله الى مقصده في الزمان والمكان المحددين ،تدافع المواطنين وسباقهم نحو (المقاعد) اسقط عديد القيم السودانية عند موقف المواصلات ، فلحظة قدوم الحافلة يتدافع الناس دون مراعاة وإحترام لكبير او توقير لصغير ، هذا فضلاً عن ظواهر أخرى سالبة ظلت تتمدد عند مواقف البصات التي أصبحت شركاً ومرتعاً للصوص الذين يستهدفون تجمعات المواطنين ليمارسوا سطواً ناعماً على المواطن الذي اصبح (طريدة) في قبضة ضعاف النفوس الذين يتبادلون عمليات نشل لمقتنيات مستغلين في ذلك انشغال ذهنه بحركة (المحل ) هذا بجانب ظواهر أخرى تتعلق باستغلال اصحاب المركبات لحاجة المواطن فيشرعون في تجزئة المحطات ويضعون تعرفة عالية دون رقيب او حسيب ، دوامة المواصلات وضعت المواطن في سباق مع الزمن، فالذي يحجز مقعده في رواحه وغدوه يكون قد كسب وقته وجهده وماله، آخرون يقضون ساعات طوال في المحطات في انتظار المركبات، الحكومة ورغم مساعيها وسعيها لفك طلاسم الازمة إلا انها لم تتمكن من تحديد وصفة ناجعة تضع حداً وحلاً ناجعاً للازمة ،الآن الحكومة اختارت طريقاً آخر بديلاً من خلال اتجاهها لمواعين أخرى بعيدة عن شوارع الاسفلت التي ضاق عليها الخناق.
أزمة متجددة:
قبل الاطاحة بالنظام البائد ظلت أزمة المواصلات بولاية الخرطوم بمثابة وميض النار تحت الرماد الذي سرعان ما تستعر نيرانه لتزلزل اركان حكم (الوالي) الشاهد ان دكتور عبدالرحمن الخضر الوالي الاسبق للعاصمة انه شرع في استيراد بصات ارتبطت بصفته الدستورية ،غير ان سرعان مافشل مشروع الخضر لاسباب واعتبارات تتعلق بنوعية وصلاحية المركبات الوافدة التي اتضح فيما بعد بأنها صفقة خاسرة قبل ان تحوم حولها الشبهات ،لتظل قضية المواصلات مسلسلاً لم تكتمل حلقاته بعد.
تعرفة :
للوقوف على أسباب الازمة قامت الجريدة بجولة ميدانية واسعة شملت عديد مواقف المواصلات واستنطقت بعض اصحاب المركبات الذين عزو الازمة الى تجاهل الجهات المختصة لمطالبهم المتمثلة في زيادة تعرفة المواصلات التي اشاروا الى انها ظلت بقيمة ثابتة منذ نحو ثلاث سنوات رغم ارتفاع سعر الدولار الذي نتجت عنه زيادات مهولة في اسعار قطع الغيار.. ويقول محمود علي احد سائقي عربة (هايس) ان ازمة المواصلات يمكن حسمها بشكل فوري وعاجل شريطة ان يتم وضع تعرفة جديدة للخطوط الطويلة منها والقصيرة واضاف: العام الماضي كانت تعرفة مواصلات الحاج يوسف بمبلغ خمسة جنيهات للحافلات الكبيرة بينما تعرفة الهايس بقيمة عشرة جنيهات واضاف: الآن لا يعقل ان تستمر هذه القيمة، الذي يحدث الان هو ان اصحاب الحافلات وفي كل الخطوط يقومون بتقسيم المسافة الى محطات مثلاً أنا اشحن من العربي الى صينية بري ومن ثم اشحن مرة ثانية الى حلة كوكو ومرة ثالثة الى الوحدة وقال انه في كل محطة يتم تحصيل مبلغ عشرة جنيهات حيث يبلغ الاجمالي المتحصل ثلاثون جنيهاً، وأوضح: نحن لم نتضرر من هذه السياسة الجديدة التي درجنا عليها بينما المتضرر هو لمواطن ،واضاف: على الحكومة ان تسارع الى زيادة التعرفة من اجل راحة المواطن وحفاظاً على سلامته وراحته.
موقف كركر:
بذات الاسلوب تحدث الزين رحمة الله الذي التقيناه في موقف كركر والذي بدوره برر سياسة تعدد المحطات لاصحاب الحافلات الكبيرة والمتوسطة لتحصيل اكبر عدد من المال وقطع بأن عدم رفع قيمة تعرفة المواصلات لعدة سنوات هي من اجبرتهم على عدم الإلتزام بالخطوط وقال انه منذ فترة لم يذهب بعربته الي الموقف وانما غالباً مايجنب سيارته على حافة الطريق عند اكتظاظ او تجمع المواطنين ثم يحدد (قبلته) التي قال انها غالباً ماتكون محطات قصيرة بدلاً عن المشاوير الطويلة.
نقل وسيط :
عشرات السيارات من العربات الامجاد درج اصحابها على استخدامها كوسيلة نقل وسيط يتم استقطاب المواطنين اليها عبر (كمسنجي )حيث يتم نقل المواطنين من المحطات الوسيطة الى مواقف المواصلات الكبيرة بتعرفة تصل في كثير من الاحيان الى عشرة جنيهات بينما عربات أخرى يتحصل اصحابها مبلغ “٥٠” جنيهاً للفرد وهؤلاء غالباً ما يكون اصحابها يقطعون مسافات متوسطة مثل الخرطوم _شرق النيل ، او بحرى الحاج يوسف .وهنا يشير صافي الدين احد سائقي الامجاد الى انه ومنذ بداية ازمة المواصلات درج على العمل بنقل المواطنين من المحطات من محطة بحري المحطة الوسطى وقال ان ذلك افضل من انتظار المشاوير الخاصة لجهة ان عدداً محدداً من (الفردات) يغطي الدخل اليومي الذي قال انه يصل الى ألفين جنيها يومياً كحد اعلى وأوضح انه ومنذ ظهور خدمات ترحال ومشاوير اصبح الطلب على الامجاد نادراً مما انعكس سلباً على الدخل اليومي لسائقي الامجاد .
اهداراً للوقت :
اعتبر المواطن ياسر احمد الساير ان من اصعب التحديات التي تواجه حكومة الفترة الإنتقالية هي حسم قضية المواصلات بشكل جذري واشار الى انه ظل يغادر منزله بحي الكلاكلة صنقعت بعد صلاة الفجر مباشرة حتى يتمكن من الحضور الى مكان عمله بالسوق العربي قبل بداية الدوام مؤكداً ان ازمة المواصلات اهدار للوقت والجهد بجانب انها اهدار للمال من خلال مغالاة اصحاب المركبات في قيمة التعرفة.
مواعين بديلة :
عندما تفاقمت الازمة قبل نحو شهر شرعت قيادات الدعم السريع في توفير مئات (البكاسي ) لتعمل على نقل المواطنين في اوقات الذروة غير ان التجربة وجدت امتعاضاً وهجوماً عنيفاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي مما اثار حفيظة الفريق محمد حمدان دقلو بايقاف التجربة الامر الذي ربما حرض مجلس الوزراء الى اصدار قرار لكل مؤسسات الدولة بنقل المواطنين عبر العربات الحكومية وإنفاذاً لموجهات مجلس الوزراء بادرت وزارة الثقافة والإعلام بترحيل المواطنين بالعربات الحكومية حيث وجه وكيل أول الوزارة رشيد سعيد بمساهمة الوزارة بعربات (هايس) في المشروع، وتسليم العربات للغرفة المركزية لتوصيل المواطنين عبر توظيف العربات الحكومية في سبعة خطوط مواصلات مختلفة، من أجل توفير المواصلات للمواطنين، واعتبر محمد يحيى ان التداخلات في قطاع النقل والمواصلات وراء الازمة وقال في حديثه لـ (الجريدة ) ان التقاطعات بين المحلية وإدارة النقل والبترول والمحليات احدثت خللاً بجانب الفوضى في المواقف وعدم الرقابة مما ادى الى تجزئة الخطوط والفوضى والكسب غير المشروع من اصحاب المركبات والسائقين ،عازياً الإختناقات المرورية في ساعات الذروة صباحاً وعند الظهيرة الى دخول الشاحنات من لواري وعربات طوب وعربات نقل النفايات الى قلب الخرطوم دون مراقبة من قبل إدارة المرور لافتاً الى ان عشرات الكيلو مترات من الطر قات والشوارع بالاسواق استباحها الفريشة من التجار مما يحد من دخول وخروج العربات من المواقف، وقال هناك معوقات أخرى تكمن في الارتفاع الجنوني في اسعار قطع غيار السيارات، ورأى محمد يحيى لا سبيل أمام حكومة الفترة الانتقالية غير الاسراع في فتح باب الإستيراد للمواصلات واستثنائها من الموديل وتخفيض الجمارك بجانب فرض رقابة مشددة على الشوارع لمنع دخول الشاحنات هذا فضلاً عن انشاء شركة مواصلات مساهمة عامة ذات إدارة فنية وإدارية مختصة في قطاع النقل والمواصلات وسن قوانين رادعة تحفظ حق المواطن من تجاوزات اصحاب المركبات ،وتفعيل العمل الرقابي للحافلات بالمواقف مشدداً على ضرورة إعادة النظر في تعرفة المواصلات التي قال انها سبب تجزئة الخطوط .
قطار ومحطات :
في خطوة وصفت بالايجابية ولاية الخرطوم اعلنت في وقت سابق عن انطلاق قطار المواصلات المحلي لنقل المواطنين اعتبارا من ٢١ نوفمبر الجاري وذلك كخطوة عملية لحل أزمة المواصلات ،وحسب تصريحات سابقة لمدير هيئة الورش المركزية بوزارة البنى التحتية والمواصلات المهندس حسن النوراني اعلن عن اكتمال الترتيبات والتجهيزات الخاصة بتشغيل القطارات كافة التي ستستخدم خطوط السكة الحديد الممتدة بالولاية لحين إنشاء خطوط إضافية جديدة ،مشيراً إلى جاهزية المحطات من الخرطوم إلى مصفاة الجيلي والتي قال ستمر بها القطارات عبر محطة الأملاك (بحري، الصافية، الكدرو، الحلفايا، الكباشي، السقاي والجيلي) مبيناً أن الخط الجنوبي ينطلق من محطة الخرطوم الرئيسية إلى المسيد مرورا بمحطة الشجرة لحين اكتمال العمل بأرصفة محطات الرميلة والأزهري وسوبا.
وأضاف المهندس النورابي أن العمل سيكون ممرحلاً حسب الجاهزية وأوضح أن الوحدة التنسيقية التي تم تكوينها بين الولاية وهيئة السكة الحديد هي الجهة التي تقوم بالعملية التشغيلية للقطارات ورحلاته وزمن التوقف، لافتاً الى أن البداية ستكون مجاناً، بعدها ستحدد أسعاراً رمزية ومن ثم تعمم الفئات الثابتة والتي ستكون أقل من خطوط المواصلات.
وينتظر ان يشهد الاسبوع الجاري انفراجاً جزئياً لازمة المواصلات حسب
مدير عام وزارة البنى التحتية والمواصلات بالولاية المهندس الصافي احمد ادم ان الاسبوع الحالي سوف يشهد التشغيل التجريبي وتدشين اول رحلات القطار المحلي مؤكدا انه سيسهم بصورة كبيرة في تخفيف أزمة المواصلات وتسهيل التنقل للمواطن بوسيلة جديدة آمنة ومريحة، وكان الصافي قام بزيارة ميدانية تفقد خلالها محطات القطار ووقف على محطة الصافية وشمبات ومحطة الاملاك بالمسار الشمالي للقطار، مؤكداً ان المجهود يصب في اطار حل ازمة المواصلات وتوفير مواعين جديدة تسهم في توصيل المواطن وفي سياق ذي صلة شدد مدير عام الوزارة على الاسراع في تكملة متبقي اعمال معالجة تصريف لفة الجريف واطمأن على آخر التجهيزات والترتيبات لتكملة مرحلة الصبة الخرسانية للمسار الغربي لنفق عفراء مشيداً بجهود ادارة المصارف في اعمال بناء حوائط مصرف البلابل بمحلية الخرطوم .
الجريدة: عبدالرحمن حنين
صحيفة الجريدة