مؤتمر د. علي الحاج… وازمة تشتيت الكرة.
مهما يكن من أمر الخلاف حول تصريحات د. علي الحاج حول تسليم الرئيس البشير لمحكمة الجنايات الدولية، وهو خلاف له حيثياته السياسية والأخلاقية والقانونية.
إلا أن الخبر الأهم في حديث د. علي الحاج والذي تجاهلته أجهزة الإعلام هو دعوته لحوار وطني جامع يعمل على تجنيب البلاد مخاطر ومنزلقات وشيكة، تشبه ما حصل مع جنوب السودان.
الحقيقة التي لا تغيب الا عن أعمى (وما أكثرهم) بأن البلاد تحيط بها مخاطر محدقة، وأن المخطط القديم لتمزيق السودان يبدو بأنه قد أكتملت الشروط الموضوعية لتنفيذه، وأهمها تآكل المناعة الذاتية للوطن، وهشاشة التكوين السياسي، وضعف الإحساس بالمهددات الكثيفة المحدقة بالوطن وتلاشي الحساسية حول قضايا الأمن والتماسك والوحدة الوطنية .
كما أشار د. علي الحاج مستندا لحديث الرئيس البرهان ووزير المالية والشواهد الأخرى الواضحة فإن المهددات السياسية والمعيشية تنذر بانفجار وشيك.
لعل د. علي الحاج أراد تنبيه الطبقة السياسية بأن الأزمة الوطنية الآن أكبر من مجرد مواقف حكومة ومعارضة. ومحاصصات وتمكين جديد، وخصومات وغبائن.
وأن طفل الثورة الوليد مهدد في حياته، بل وحياة أمه معه.
كأن د. علي الحاج أراد أن يجر الساحة السياسية لمربع جديد يعظم فيه الاحساس بالمخاطر الوطنية الكبرى، لا المعارك الصغيرة.
تزداد قناعتي في كل يوم بأن البلد لن تسلم من مخاطر ثورة جياع وشد أطراف جديد، والخشية أن لاتكون نهاية ذلك مجرد تغيير نظام سياسي بآخر كما حدث مع الإنقاذ وعبود والنميري، وإنما تمزيق البلاد نفسها.
ولا مخرج من ذلك الا بحوار وطني جديد، ينتهي إلى إجماع حول رؤية وطنية جامعة، ترسخ النظام الديمقراطي التوافقي والحكم الاتحادي، وتقفز نحو شرعية انتخابية توافقية، وسلام شامل يوقف نزيف الدم ويخاطب جذور الأزمة الوطنية لا سيما في الأطراف.
هذا هو السبيل الوحيد العاصم من مصائب الانزلاق نحو الهاوية.
لا مخرج الا عبر مصالحة وطنية تقوم على مساومات كبرى، على هدى تجارب جنوب أفريقيا ورواندا واثيوبيا وعلى سماحة وبعد نظر ووعى أهل السودان قبل كل ذلك.
يبدو بأن أمر المساومة والمصالحة الوطنية حلم بعيد المنال، ومهمة مستحيلة، إذ لا أحد يريد أن يسمع أو يعمل إلا لأجندته الحزبية الضيقة، ولكن لا بد مما ليس منه بد.
ولأول مرة أجدني متحمسا لقولهم (هذا أو الطوفان).
أخشى أن تمضي صيحة د. علي الحاج في الهواء، ويركز الإعلام اخبارا وتداولا حول هوامش المؤتمر الصحفي وليس موضوعه الأساس.
ملاحظة فنية أخيرة مهمة لكل قوانا السياسية.
من أراد عقد مؤتمر صحفي لأمر بعينه، ورسالة أهم يريد أن يصوب عليها النظر، الأفضل أن يلخص ما يريد طرحه في ورقة توزع بين يدى المؤتمر الصحفي، ويتم التأكيد على أن مجرى الحوار والأسئلة حول الورقة فقط.
لأن الصحافيين (وهذا حقهم) يسألون الأسئلة التي يرونها مهمة و مثيرة وينقلون الإجابات الأكثر إثارة، فتضيع بين ذلك القضايا الكبرى.
د. عثمان البشير الكباشى