] دهشت لتصريحات كبير المؤتمر الشعبي الدكتور علي الحاج حول تسليم الرئيس السابق عمر البشير لمحكمة الجنايات الدولية، فقد قال الرجل إن ذلك (موقف قديم يمثل رؤيتنا)!
] نعم، كان موقفاً قديماً عندما كان الوطني بالنسبة للشعبي ألد الخصام، وحين كانت قيادات الشعبي ــ بمن فيهم دكتور الترابي ــ هو العدو الأكبر للوطني وليس الحزب الشيوعي!
] في تلك الأيام النحسات رأينا كيف كان شباب الشعبي يطاردون في الشوارع وكان الشيخ، الصانع الأكبر للإنقاذ يقبع في زنزانة كئيبة، بينما هاجر علي الحاج إلى ألمانيا ناجياً بجلده من كيد خصومه الألداء!
] ولكن، فجأة وبدون مقدمات، سوى زيارة ليلية من البشير ودعوة للحوار الوطني ينقلب صاحب القلب الكبير (180) درجة ويسوق عتاة الغاضبين والحانقين إلى قاعة الصداقة، وما كان غيره يستطيع أن يكبح جماح نفسه الأمارة بعد كل ما حدث من مرارات وسنين السجون والمعتقلات، أو يملك أن يستخدم كاريزميته الطاغية لترويض الحانقين من تلاميذه وتحويل الغضب العارم والحقد الأعمى لدى بعض شباب الشعبي الى تصافٍ وتعافٍ وتواددٍ وتراحمٍ.
] يتحدث الناس باعجاب عن عظيم افريقيا (مانديلا)، ولكنهم ينسون عظمة ما فعل الترابي وهو يتسامى ويحلق في سماوات العفو والصفح الجميل، مما يذكرني بمقولة الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو يهش في وجه خصومه من زعماء قريش ولطارديه وصحابته من موطنهم ويقول: (اذهبوا فأنتم الطلقاء)
] في إحدى المرات زرت الترابي في مستشفى ساهرون وقد خرج من المعتقل بعد وعكة المت به رجع بعدها من حيث أتى، فأجلسني الى جانبه وبدأ حديثاً مهماً للغاية لم يقطعه كبار الزوار الذين كان يحييهم بسرعة ثم ينصرف إلي بكلياته، فكان مما قال لي ان بعض الناس يظنون اننا مع اسقاط النظام حتى ولو كان البديل هو الشيطان الرجيم، ثم قال لي بحزم: ليس الامر كذلك وربما يكون اقسم على قوله ــ لا اذكر بالضبط ــ خرجت من عنده، والله العظيم، مباشرة معدلاً طريقي الى بيت الرئيس البشير، بعد ان شعرت ان الترابي رحمه الله اراد بحديثه الي توجيه رسالة يطلب مني ابلاغها .. صليت المغرب في القيادة العامة ولم اجد الرئيس، فذهبت اليه صباح اليوم التالي في القصر الجمهوري وحكيت له عن ما قاله الترابي طامعاً في رأب الصدع بعد تلك الكلمات الدافئات من الشيخ الجليل.
] لن احكي عن ما دار في ذلك اللقاء الذي لم يسفر للاسف عن شيء!
] اردت ان اقول ان دكتور الترابي يحمل قلباً نظيفاً مختلفاً عن بقية خلق الله.
] عجبت ان يتمترس د. علي الحاج بعبارة (موقف قديم يمثل رؤيتنا)! يقول علي الحاج ذلك وكأنهم لم يغيروا ذلك الموقف ولم يستجيبوا للحوار ويدخلوا القصر ومجلس الوزراء والبرلمان ويبقوا في مفاصل السلطات الثلاث حتى يوم سقوط الانقاذ!
] قلتها لبعضهم إنه لو كان السنوسي في مكان علي الحاج لكان الأمر مختلفاً, اما صاحب القلب (النظيف) ورجل العهود والمواثيق، فشتان شتان.. فقد طبق الآية التي يصعب على الآخرين إعمالها: (فَإِذَا ٱلَّذِی بَینَكَ وَبَینَهُ عَدَ اوَة كَأَنَّهُ وَلِیٌّ حَمِیم)
] ظللت اكتب تغريدة اقول فيها: (وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر) كلما حدثت تطورات في المشهد السياسي تستدعي وجود الترابي، بل سألت دكتور الامين عبد الرازق بعد مؤتمر صحفي تحدث فيه علي الحاج (وخرمج فيه وعك): الم يطلب سيدنا موسى من ربه سبحانه أن يجعل له وزيراً اكثر ابانة منه ليكون ناطقاً رسمياً للدعوة الجديدة؟ لماذا لا تفعلونها فضحك د. الامين ولم يعلق!
] علي الحاج سبق له ان وصف البشير بالطاغية، بل سبق له ان قال ان مشكلة الشعبي مع الوطني وليست مع الشيوعي والبعث!
] في الوقت الذي تتوق فيه قلوب الإسلاميين للتلاقي لمواجهة حملات الدفتردار الانتقامية يضع علي الحاج العوائق والمتاريس، وفي الوقت الذي يرفض فيه كثير من الأبعدين ــ أحزاب وحركات مسلحة ــ تسليم الرئيس البشير للجنائية، يفجرها علي الحاج مدوية مستدعياً خصومات قديمة لا اريد ان افصل فيها!
] ماذا دهى علي الحاج؟ ولماذا تصمت قيادات الشعبي عن تصحيح ذلك الموقف الغريب؟!
الطيب مصطفي
زفرات حرة
الانتباهة