١- وقفت أمس بين رأيين مختلفين، حول ما أدلى به وزير التربية والتعليم بروف محمد الأمين التوم، عن الشهادة السودانية وحال التعليم.الصديقان الباشمهندس عثمان ميرغني ودكتور مزمل أبو القاسم، كل واحد منهما ذهب في اتجاه معاكس للآخر. ميرغني لم يستحسن ما فعله الوزير ويعتبر الضرر المتحقق أكبر من الفائدة ويرد ذلك لضعف التجربة وعدم المعرفة. أبو القاسم أثنى على الوزير وأضاف كيل بعير من الاتهامات في وصف التردي الأخلاقي الذي أصاب التعليم وأساء للشهادة السودانية، ورأى في الإفادات جرأة مستحبة، فالعلاج يبدأ بالاعتراف.
-٢-
كنت قد كتبت على صفحتي في الفيسبوك أول ما اطلعت على تصريحات الوزير: (ما قاله وزير التربية خطير وصادم ، ويبدو أنها الحقيقة..عرفت من بعض الأصدقاء أن عدداً مقدراً من الأسر ترسل الأبناء للجلوس لامتحانات الشهادة السودانية في القرى، حيث تتم هنالك عمليات غش جماعي…لا بد من إيقاف هذا الفساد المجتمعي). لا أحد ينكر أن العملية التعليمية تعرضت لتشوهات كبيرة وتلوث واسع على مستويات مختلفة، مثل ما حدث لكثير من القطاعات الحية والحيوية.
الأخطر في فساد التعليم إسهامه الأكبر في إفساد غالب أنشطة الحياة، باعتباره حقن مبكر للأجيال القادمة بجرثومة الفساد.
-٣-
حينما تخرج في الجامعات والمدارس طلاب بنتائج مزيفة وتطبع سلوكهم مع الغش والخداع فأنت تحدد مسيرتهم في الحياة على الاعوجاج والانحراف.الكارثة الكبرى في بعض هذه السلوكيات، مثل الغش الجماعي، التواطؤ بين الأسرة والمدرسة والطلاب، فيما يعد جريمة منظمة.وضربة قاضية لقيمة الصدق وهزيمة مذلة لرمزية القدوة داخل البيت والمدرسة. اتفاق القيادة التعليمية المسؤولة عن الامتحانات على إضافة أكواب من المياه على النتائج بمنح الطلاب درجات إضافية لتحسين النتيجة العامة، الغرض منه ليس إسعاد الأسر والطلاب، بل تجميل الصورة أمام متخذ القرار في قيادة الدولة.
-٤-
أكثر ما عانت منه الأجهزة العامة في فترة الإنقاذ، سيادة روح الخداع بين المسؤولين ،فيما عرف بمصطلح (الخم)، كل مسؤول يخدع الذي يعلوه إلى أن حان ميقات السقوط يحدث ذلك بكتابة تقارير تُجمِّلُ الواقع، وتستر العورات وأوجه القصور، وتُشعِرُ المسؤول أن في عهده تحقق كثيرٌ من الإنجازات، التي من حقه التباهي بها في الاجتماعات الرسمية، وفي أجهزة الإعلام، وما لم يتحقق فهو قيد التنفيذ. أغلب المسؤولين لهم من المشاغل والمهام العملية والاجتماعية ما يجعلهم يكتفون بمتابعة التقارير، التي تُوجز ولا تُسهب. بعض المسؤولين يفضلون الموظفين البارعين في خداعهم، ولكن بذكاء وبصورة لا تمس كبرياءهم الوظيفي!
-٥-
لن ينصلح الحال ويستقيم العود ويستطيب الظل، ما لم تتم عملية إصلاح شاملة وعميقة في البيئة التعليمية، تقدم التربية على التعليم والأخلاق على النجاح وتحافظ على رمزية المعلم وقداسة الحقل. لهذا هو واقع الحال، ومتاح للجميع المفاضلة بين طرق الإصلاح، هل الأفضل العلاج المتدرج الهادئ أم عبر الصدمة الكهربائية؟! لن نحاكم النوايا ،لو أن الوزير أراد من ذلك الكشف الفاضح ، الانتقام السياسي ممن سلف، لا الإصلاح التربوي من أجل مستقبل أفضل، فسيكون ما فعل امتداداً للسلوك المنحرف المراد علاجه، فيصبح فاقد الشئيء لا يعطيه.وبذلك يكون الوزير غير مؤهل إخلاقياً لقيادة عملية الإصلاح والتقويم ، طالما أن أياديه غير نظيفة من الغرض السياسي ونواياه غير سليمة من الكيد الرخيص.
-أخيراً-
إدخال الأدوات السياسية غير المعقمة في مجالات حساسة مثل التعليم والقانون والصحة من علل المدرسة السياسية القديمة .ما لم تحدث عمليات إصلاح وتعقيم في مناهج وأساليب وأدوات السياسة، لن ينصلح حال البلاد، سقط البشير أم صعد حمدوك.
ضياء الدين بلال