الزيارة التي ابتدرها رئيس مجلس الوزراء د. عبد الله حمدوك أمس الأول إلى بروكسل على رأس وفد رفيع المستوى من الوزراء، تلبية لدعوة قدمت من قبل قيادة الاتحاد الأوروبي، قابلها الشارع السوداني بين متفائل ومتشائم، إذ يرى البعض أنها تمثل كسراً للعزلة الدولية الدبلوماسية عن السودان على أقل تقدير، لا سيما وأنها بقيادة حمدوك كأرفع مسؤول سوداني يصل لمقر صناعة القرار العالمي منذ عقود، بغض النظر عن الالتفات لنتائج الزيارة، لكن على الجانب الآخر يرى أن الأوربيين لن يقدموا لحكومة الفترة الانتقالية أكثر من وعود وتطمينات للشعب.
برنامج الحكومة
وخلال مخاطبته وزراء الخارجية الأوربيين قدم رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك، شرحاً لما أنجزته حكومته منذ توليها السلطة باعتباره برنامجها التي تسعى لتحقيقه، وقال إن أولوية الحكومة كانت تتمثل في إصلاح مؤسسات الدولة، وما لحق بها من دمار، بجانب العمل على تأسيس صلب لحكم القانون، خاصة فيما يتعلق بالعدالة الانتقالية، بجانب استعادة المبالغ المسروقة والتي تقدر بمليارات الدولارات، والسعي لتحقيق مشاركة عادلة ومستحقه للنساء بالمشهد السياسي، مؤكداً سعيهم لأن يكون التمثيل جامعاً لكل أهل السودان، مع إشراك الأقليات بالحياة السياسية، وأكد حمدوك بتبني حكومته سياسة خارجية متوازنة، والعمل على تصويب إخفاقات النظام السابق في ذلك، وطالب حمدوك الاتحاد الأوربي بدعم جهود الحكومة في سياساتها التي تتبناها، والعمل على دعم قيام مشروعات لإبقاء الشباب في وطنهم حماية من المخاطر التي يتعرضوا لها في المحيطات، وتأمين مستقبلهم للحد من الهجرة.
تحديات الحكومة
ونبه حمدوك خلال كلمته بمقر الاتحاد الأوروبي ببروكسل، إلى أبرز تحديات حكومته في الفترة الانتقالية والمتمثلة في تحقيق السلام، وبناء وإصلاح المؤسسات الاقتصادية، بجانب رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وقال حمدوك إن ذلك يعد مهماً للغاية ويحتاج إلى مساعدة الشركاء الأوروبيين في ذلك، رغم إدراكهم أن سبب وضع السودان في اللائحة كان مبرراً في السابق، لكن السودان اليوم لا يدعم الإرهاب، وأنه يمثل دولة محبة للسلام، وشدد على أن التغيير الذي جرى في السودان كان فريداً ومميزاً بخلاف ما حدث في دول الجوار الإقليمي، كما دعا رئيس الوزراء الاتحاد الأوروبي للمساهمة في إصلاح المؤسسات الحكومية وما ورثوه من إرث 30 عاماً من الشمولية، من خلال خلق مشروع وطني والعمل على وضع أساس للتحول الديمقراطي، وطالب حمدوك الأوروبيين بحشد موارد مالية لدعم الفترة الانتقالية، وأكد تطلع السودان لشراكة إستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي.
استكمال السلام
ويتوقع أن يلتقي حمدوك خلال زيارته ببروكسل بوزير خارجية فنلندا (الذي تترأس بلاده الاتحاد الأوروبي حالياً)، ومن ثم سيجمعه لقاء بوزيرة خارجية السويد، ومن المتوقع أن يختتم حمدوك اجتماعاته في الاتحاد الأوربي بحضور جلسة استماع مع لجنة التنمية والعلاقات الخارجية بالبرلمان الأوروبي، وسوف يغادر بروكسل منها إلى واشنطن بدعوة من الكونغرس الأمريكي، وتوقع مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي، إن الاتحاد سيدعم جهود الحكومة الانتقالية لتحقيق السلام الشامل والعادل في السودان، وتعهد بأن يحث الاتحاد حركات الكفاح المسلح لإنجاح واستكمال مسيرة السلام في البلاد.
توقيت مهم
القائم بأعمال سفارة جمهورية السودان بالإنابة لدى مملكة بلجيكا حامد الجزولي أوضح في تصريح صحفي؛ أن رئيس مجلس الوزراء سيلتقي خلال الزيارة بكبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي؛ وقال الجزولي إن الزيارة جاءت في توقيت مهم ومفصلي من تاريخ السودان؛ بعد نجاح ثورة ديسمبر؛ وتكوين مؤسسات الفترة الانتقالية؛ موضحاً أن الاتحاد الأوروبي ظل داعماً أساسياً لعملية التغيير في السودان؛ وذلك عبر بياناته التي كان يصدرها من مؤسساته المختلفة دعماً للثورة، ويضم الوفد المرافق لرئيس الوزراء في زيارته لبروكسل وزير التجارة والصناعة مدني عباس مدني، ووزيرة العمل والتنمية الاجتماعية لينا الشيخ، بجانب وكيل التخطيط بوزارة المالية والتخطيط الاقتصادي.
ميزانية الاتحاد الأوروبي
ويرى أستاذ العلاقات الدولية، د. عبد العزيز حسين العوض، أن الزيارة تحمل أبعاد سياسية واقتصادية، لما تمثله من بداية انفتاح نحو الاتحاد الأوروبي كتلة سياسية واقتصادية موحدة ومهمة، بجانب ما تمثله من بعد عال من الانفتاح الخارجي بدلاً عن التعامل مع الدول الأوروبية بصورة منفردة، أو العمل مع كل دولة على حدة، وقال د. عبد العزيز لـ(آخرلحظة) إن الخطوة تعد تطوراً جديداً وانفتاحاً نحو أوروبا، وله انعكاساته الاقتصادية والسياسية والثقافية، وأضاف أن الأهم من ذلك أن الدعوة جاءت من الاتحاد الأوروبي وليس العكس، وتوقع أن تكون دعوة الاتحاد الأوروبي لحمدوك لوضع السودان في أجندة ميزانية الاتحاد 2020م لكن بعد التعرف على خطط الحكومة السودانية وإستراتجيتها للتعامل مع المرحلة الانتقالية، ومن ثم إدراج تلك المتطلبات ضمن موازنة الاتحاد الأوروبي للعام المقبل، خاصة في جانب الخدمات الاجتماعية والصحة والتعليم وفق أهداف التنمية المستدامة، قبل أن يعود ويقول إن حمدوك قد يواجه مشكلة في توفير الإحصائيات الدقيقة التي قد يطالبه بها الاتحاد الأوروبي في الجوانب التي سيدعمها.
وختم حسين العوض بوصف الزيارة بالمرحلة، مؤكداً أن الزيارة لها ما بعدها، وتؤكد رغبة الدول الأوروبية لدعم التجربة السودانية لإيمانهم بأن التحول الديمقراطي يحتاج إلى نجاح اقتصادي، وأن أي انهيار للتجربة للسودانية يعني رسم صورة سالبة عن المجتمع الأوروبي الداعم للديمقراطية.
تقرير:عمر دمباي
الخرطوم (صحيفة آخر لحظة)