يبدو أن قوى إعلان الحرية والتغيير لم تستفد من الدروس والعبر السابقة للنظام السابق الذي لم يضر به شيء غير تلك التصريحات (المشاترة) والتي أطلقت في الهواء دون تحسّب لعواقبها فما بين (لحس الكوع وشذاذ الآفاق والكسح والمسح)، تهاوت الإنقاذ وسقطت ليأتي وزراء (قحت) الآن ليعيدوا علينا ذات التجربة، ولكن هذه المرة أصابت صميم الدولة في مقتل وليس الحزب أو الجماعة، حيث خسر السودان صادرات المواشي لهذا العام، وربما يخسر أكثر جراء تصريحات وزير التربية والتعليم بشأن الشهادة السودانية التي وجِهت بانتقادات حادة لما لها من أثر سالب على الدولة وليس المؤتمر الوطني أو النظام السابق، وسيخسر أكبر حال مطالبة اليهود السوادنيين بممتلكاتهم مع التعويض المناسب لكل تلك السنين التي خلت ليصبح السودان دائماً في خسارة جراء تلك التصريحات.
حمى الوادي المُتصدّع
اعتبرت تصريحات وزير الصحة الاتحادي أكرم التوم التي أعلن فيها رسمياً بأن الحميات المجهولة التي انتشرت في مناطق شمال بربر في ولاية نهر النيل شمالي البلاد، هي حمى الوادي المتصدع، هي أول تصريحات لوزير في الحكومة الانتقالية أضرت بالبلاد اقتصادياً، فيما يتعلق بصادرات المواشي على خلفية انتشار بعض الحميات المجهولة التي أصابت بعض السكان، بجانب نفوق وإجهاض في المواشي، وسط جهود حكومية مضنية لمعالجة الأمر وفق ما اأفاد سكان في المنطقة.
وقال المسؤول في إدارة الأوبئة والطوارئ بوزارة الصحة الاتحادية إنه من جملة 17 عينة أخذت وتم إرسالها إلى المعمل المركزي بالخرطوم أثبتت إصابة أربع حالات بحمى الوادي المتصدع، الأمر الذي جعل وزير الصحة الاتحادي يُكلّف فريقاً لتقصي الأمر وصل إلى قرى أرتولي والباوقة وفتوار، لتقصي الأمر قبل أن يُعلن عن المرض رسمياً، مشيرين إلى أن المرض مشترك بين الإنسان والحيوان، لذا تعهدت وزارة الصحة بتوفير المعينات الأساسية بالتعاون مع السلطات المحلية ولجان المقاومة في تلك القرى لمكافحته.
عودة اليهود
لم تمض بضعة أسابيع حتى كشف وزير الشؤون الدينية والأوقاف نصر الدين مفرح أنه وجّه دعوات إلى اليهود السودانيين، الذين أجبروا على ترك بلادهم، للعودة إليها والمشاركة في إعمارها، وقال مفرح في حديث لصحيفة (الشرق الأوسط ) اللندنية عن وجود ضغوط كبيرة كانت تُمارَس ضد اليهود السودانيين خاصة في عهد الرئيس الأسبق جعفر نميري (1969-1985)، إلى جانب الكبت الذي مورس عليهم والتسلّط آنذاك من الحكومات العسكرية أدت إلى هجرتهم رافضاً عدم وصف المسيحيين بالأقلية لأنهم سودانيون وديانتهم سماوية لها قيمها وعقائدها، ولكنهم واجهوا اضطهاداً وممارسات سيئة جداً في عهد النظام السابق الذي صادر ممتلكاتهم وأراضيهم وأن ممتلكاتهم ستعود إليهم عبر بوابة القضاء.
الانهيار الاقتصادي
لم تفِق الساحة السياسية والدينية من دهشتها من تصريحات مفرح، حتى أضاف عليها وزير المالية والاقتصاد إبراهيم البدوي لوكالة (رويترز) تصريحاً قال فيه إن البلاد تملك من احتياطي النقد الأجنبي ما يكفيها لعدة أسابيع فقط لتمويل الواردات، ووجدت تصريحاته هذه النقد من جانب خبراء اقتصاديين، مما دعا وزير المالية إلى نفيها بأن يكون الاقتصاد السوداني معرضاً للانهيار، إذا لم يحصل السودان على مبلغ يتراوح بين ثلاثة وأربعة مليارات دولار أمريكي، وقد يصل إلى (خمسة مليارات)، لتمويل الميزانية الجديدة للعام المالي 2020م، وقال البدوي في بيان صحفي إن ما نقلته (رويترز) بشأن الاقتصاد السوداني غير دقيق، وأنه لم يصرح إطلاقاً بأن الاقتصاد سينهار، وإنما ذكر أن الاقتصاد يحتاج لموارد كبيرة تتراوح ما بين خمسة إلى ستة مليارات دولار لتنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي الشامل متعدد المسارات.
الشهادات المضروبة
لتأتي بعد كل تلك التصريحات خلال الشهرين الماضيين، التصريح الأكثر كارثية، حيث شن وزير التربية والتعليم برفيسور الأمين علي التوم، هجوماً فوق العادة على الأوضاع التعليمية بالبلاد في عهد النظام البائد أن نتائج الشهادة السودانية كانت تُطبخ بليل وتُدبّر كما الانقلابات العسكرية. وقال خلال مؤتمر صحفي: يجب أن نعترف أن الطلبة لم يكونوا يتعلمون في عهد الإنقاذ، مشيرًا أن التعليم هو رأس المال، لذلك لا يمكن أن ننميه ونبنيه بالغش والخداع، وأقر بأن نتيجة الشهادة الثانوية ستكون كما هي دون غش ودون معالجة حتى يعرف المجتمع ونحن أين نقف، وما هي الطريقة الأمثل للمعالجة.
وكشف التوم بأن نسبة 40% من طلاب الثانوية، لا يعرفون القراءة والكتابة بحسب إحصائيات العام 2017 ووصف وضع التعليم في البلاد بالبائس.
تدمير ممنهج
القيادي بحركة (الإصلاح الآن) أسامة توفيق قال لـ(الصيحة) إن تصريحات بعض الوزراء في الدولة ما هي إلا نهج ممنهج لتدمير السودان، حيث لا يوجد ما يمكن فهمه غير ذلك. وأوضح توفيق أن تصريحات وزير الصحة بشأن حمى الوادي المتصدع أدخلت البلاد في خسائر اقتصادية كبيرة اعتبرت واحدة من الكوارث، سيما وأن المجتمع السوداني يعتمد وبصورة مباشرة على الصادرات الزراعية والحيوانية، وأكد توفيق أن تصريحات وزير الأوقاف بشأن دعوة اليهود السودانيين للعودة قد فتحت الباب أمام بعض المنظمات اليهودية للبحث مرة أخرى عن ممتلكاتهم التي تمت مصادرتها، بل والمطالبة بتعويضات ربما تصل لمئات المليارات من الدولارات، الأمر الذي يدخل الدولة في تحدٍّ جديد، منوهاً أن تصريحات وزير المالية بشأن احتياطي النقد الأجنبي هي بمثابة الضربة القاضية للاقتصاد الوطني، إذ لا يمكن لأي مستثمر المخاطرة بالاستثمار في بلد يعتبر اقتصادها على (شفا جرف هار)، مبيناً أن تصريحات وزير المالية ستعيد أزمة السيولة مرة أخرى لجوء العملاء لشراء الدولار والعقارات بدلاً من وضعها في البنوك مما يؤدي لارتفاع سعر الدولار بصورة فلكية، وقال أسامة إن المصيبة والكارثة الأكبر جاءت من قبل وزير التربية والتعليم والتي لا يوجد لها وصف غير أنها أغبى تصريحات على الإطلاق.
وأضاف توفيق: بهذه التصريحات يعني أن كل الذين امتحنوا الشهادة السودانية منذ العام 1989م لاغية ومضروبة، وما بني على باطل فهو باطل، وبالتالي تكون كل الشهادات التي جاءت بعدها غير حقيقية، وهنا يجب أن نبدأ بالمنتمين للحرية والتغيير أنفسهم منهم وزير التجارة مدني عباس، والأصم يعني أن شهاداتهم مضروبة حسب تصريحات الوزير بشأن الشهادة السودانية بموجب القاعدة الفقهية، فضلاً عن مئات الآلاف من العاملين في دول الخليج، ويمكن أن تؤثر هذه التصريحات في وظائفهم وعملهم، ويمكن الإطاحة بهم وبالتالي الخسارة ستقع على السودان.
وشدد توفيق على أن أمر الشهادة السودانية يعتبر أمناً قومياً لا يمكن أن تطلق التصريحات بشأنها على الهواء، وإذا كان هناك خطأ يمكن تداركه على نطاق ضيق وبسرية تامة. واتهم توفيق تصريحات وزارء الحكومة بأنها خطوات ممنهجة لتدمير الدولة السودانية وإعادة (سايكس بيكو) الجديدة لتقسيم السودان خاصة وأن معظم هؤلاء الوزراء جاءوا من الخارج، وقال توفيق. إذا كان ما يحدث من أجل النيل من المؤتمر الوطني والنظام البائد فهم ما يقارب السبعة أشهر في السجون لم تقدم لهم تهمة واحدة، مما يعني أن الأمر لا يتعلق بالنظام البائد وإنما بالسودان كدولة.
تقرير: النذير دفع الله
الخرطوم: (صحيفة الصيحة)