أعلن رئيس حزب المؤتمر الوطني، البروفيسور إبراهيم غندور، معارضته لأي اتجاه حكومي لرفع الدعم عن السلع والخدمات، وأضاف في حسابه الشخصي بفيسبوك : «نقف مع شعبنا في رفضه لرفع الدعم»، وقال غندور إن حزبه يرفض رفع الدعم في ظل هذه الظروف التي تمر بها البلاد، ويعيشها المواطن الآن، واتهم غندور حكومة حمدوك بتطبيق سياسة البنك الدولي والانصراف لتمكين كادرها على حساب الإصلاح الاقتصادي، وحل الضائقة المعيشية…
أرض المعركة وسلاحها
الناظر إلى تصريحات رئيس حزب المؤتمر الوطني المعارض الذي كان يتزعمه الرئيس المخلوع عمر البشير حتى صباح الحادي عشر من أبريل قبيل إطاحته بثورة ديسمبر الشعبية، الناظر إلى هذه التصريحات، وفي هذا التوقيت، ويقرأ بين سطورها يدرك بوضوح تام أن حزب النظام المخلوع قد حدد أرض معركته المقبلة مع حكومة الفترة الانتقالية بغرض إسقاطها، كما يلحظ القارئ لما بين سطور تصريحات غندور أن النظام المخلوع قد حدد أيضاً سلاح المعركة على نحو لا لبس فيه، ولعل ذلك يظهر في عدة نقاط أبرزها على الإطلاق ما يلي:
أولاً: حاول غندور من خلال مدونته بالفيسبوك أن يضع يده على أبرز نقاط ضعف حكومة حمدوك وهو اتجاه الحكومة الحذر نحو رفع الدعم عن السلع الخدمية ذات الأهمية البالغة والحساسة مثل الخبز والوقود ونحوهما.
ثانياً: حاول غندور أيضاً بشيء من المكر والدهاء، استدرار عاطفة الشعب السوداني بعبارة : «نقف مع شعبنا في رفضه لرفع الدعم»، وذلك للتأكيد على أن حزبه «المؤتمر الوطني» يقف مع خيارات الشعب ويرفض ما يرفضه الشعب السوداني، وهذه بالطبع مغالطة سنبينها في السطور أدناه.
ثالثاً: وفي ذلك أيضاً إشارة واضحة لإثارة الشارع وتأليبه على الحكومة وإعطائه الضوء الأخضر لكوادر حزبه ومنسوبيه للخروج إلى الشارع حال تم رفع الدعم، واغتنام هذه الفرصة الذهبية لإشعال نار الثورة المضادة.
تجريب المجرب
غير أن كثيراً من المعطيات الثابتة وقرائن الأحوال تشير إلى أن تصريحات غندور لا تخرج عن كونها مغالطات ومزايدة سياسية خاصة وأن الشارع السوداني يدرك تماماً موقف حزب المؤتمر الوطني من قضية «رفع الدعم» عندما كان حاكماً، حيث صوّت برلمانه بأغلبيته الميكانيكية لصالح رفع الدعم عن المحروقات بإيعاز من الحزب وحكومته، مما أتاح لنظام الرئيس المخلوع رفع الدعم عن المحروقات وزيادة تعرفة الكهرباء والماء وعندما ثار الشارع السوداني في مواجهة قرار الحكومة القاضي برفع الدعم عن المحروقات في سبتمبر 2013 واجهه نظام المؤتمر الوطني بالرصاص الحي مما أدى إلى سقوط حوالى 200 متظاهر سلمي، وهي ماعرفت بـ»هبة سبتمبر» والتي أسست لثورة ديسمبر الشعبية التراكمية.
وتأسيساً على ما سبق تصبح دعوة غندور المبطنة لتحريك الشارع السوداني في مواجهة حكومة حمدوك وإعلان موقف حزبه القاضي برفض أي اتجاه لرفع الدعم عن السلع، تصبح دعوته للمظاهرات والرفض أشبه بكلمة الحق التي يُراد بها الباطل، والوسيلة الماكرة لتحريك الشارع ضد الحكومة.. صحيح أن الشعب السوداني سيقاوم أي اتجاه لرفع الدعم، ولكن ليس بإيعاز أو استغلالية من المؤتمر الوطني الذي سبق أن رفع الدعم وقتل المعترضين على هذه الخطوة .
إسقاط الحكومة
يظل إسقاط حكومة حمدوك هدف استراتيجي يسعى إليه حزب المؤتمر الوطني ولعل ذلك يبدو من خلال عدة إشارات آخرها ما أعلنه مسؤول الطلاب بالمؤتمر الوطني الذي أشار أكثر من مرة إلى أنهم يسعون لإسقاط الحكومة خلال «6» أشهر فقط، وكذلك ما أعلنته مليشيات المؤتمر الوطني في هذا الصدد، هذا بالإضافة إلى المحاولات المتكررة لخنق الحكومة اقتصادياً من خلال المضاربات والاتجار بالدولار والذهب خارج القنوات الرسمية، والتحكم في مقابض المال، إلى جانب خلق المزيد من الأزمات في السلع والخدمات، وتصريحات الأمين العام للمؤتمر الشعبي علي الحاج الذي ينشط في توحيد حزبه وحزب المخلوع البشير والذي هدد بإسقاط الحكومة.
وبناءً على ما سبقت الإشارة إليه يمكن القول إن تصريحات غندور حول رفض حزبه رفع الدعم والتعامل مع البنك الدولي وانحيازه للشعب السوداني في مقاومته ورفضه لهذا الاتجاه الحكومي تبدو أشبه بالحالة الانتهازية التي يريد حزب المؤتمر الوطني أن ينفُذ من خلالها لتحديد أرضية المعركة المقبلة وهي «رفع الدعم عن السلع» والانحياز للشارع السوداني، واختيار سلاح المعركة بعناية ودقة متناهية وهي تحريك الشارع من خلال كوادره ومنسوبيه لإشعال المواجهة بين الشعب وحكومة ثورته، وفي النهاية فإن الرابح الوحيد هو حزب المؤتمر الوطني وبقايا النظام المخلوع الذي يحاول قطع الطريق أمام أي محاولة لمحاسبة رموزه وتقديمهم إلى المحاكمات التي تنتظرهم.
أما حديث غندور عن تمكين كوادر الحكومة على حساب الإصلاح الاقتصادي يظل حديثاً سياسياً فقط إذ أن إسناد الوظائف والمواقع بالدولة لا بد أن يكون لكوادر الثورة وليس لمن لا يؤمن بها، وأما الضائقة المعيشية فهي لم تظهر بعد الثورة وإنما كانت ضمن أهم أسباب اندلاعها ضد النظام المخلوع.
الانتباهة