الطاهر ساتي: (قميص حمدوك)

:: ومن الأقوال الرائعة، (كرة القدم ليست مهمة جدًا، نحن لا ننقذ أرواح الناس، فقط وظيفتنا جعل الناس ينسون مشكلاتهم لمدة 90 دقيقة)، المدرب الألماني يورغن كلوب متحدثاً عن كرة القدم وجدواها في حياة الشعوب والأوطان.. ولو أن كرة القدم وسيلة إيجابية لتناسي الشعوب مشكلاتهم وأزماتهم لمدة (90 دقيقة)، فإن للبعض في عالم السياسة وسائل سالبة وفاعلة تجعل الناس في بلادنا ينسون مشكلاتهم مدى الحياة، وليس فقط (90 دقيقة)..!!

:: والشاهد، ما من أزمة تؤرق مضاجع الوطن وتطحن حياة المواطن، أو ما من بارقة أمل تلوح في الآفاق، وإلا كانت لها وسيلة مضادة للتفكير في هذه الأزمة أو لإلهاء العقول عن الأمل القادم.. وعلى سبيل المثال الراهن، بجوبا وعواصم أخرى، صار الوفد الحكومي قاب قوسين أو أدنى من صناعة السلام بكردفان ودارفور والنيل الأزرق، وكذلك تحركت الحكومة للوقوف على قضايا المنكوبين، النازحين منهم واللاجئين، وذلك بزيارتهم في معسكراتهم ..!!

:: وهناك أمل بأن يتحقق السلام قريباً، وهناك حراك حكومي – بالداخل والخارج – لتحقيق هذا الحُلم، ولذلك تجتهد جهة ما – غير مسؤولة طبعاً – في صرف عقول الناس عن هذا الجُهد، وتشغلها بـ (قميص حمدوك)، وغيرها من وسائل الإلهاء.. لقد تم اختزال كل الحدث والجهد في قطعة قماش.. وليس في هذا الإلهاء عجب، وقديما حلل نعوم تشومسكي ما يحدث قائلاً: (حافظوا على تحويل انتباه الرأي العام بعيداً عن المشكلات الحقيقية، وألهوه بمسائل تافهة لا أهمية لها)..!!

:: لقد نفى العميد عامر محمد الحسن الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة واللواء مالك الطيب والي شمال دارفور المكلف، نفيَا خبر استياء الجيش من زي رئيس الوزراء عبد الله حمدوك عندما تفقد طابور الشرف الذي أقيم له بمطار الفاشر يوم الاثنين الفائت.. وكان قميص رئيس الوزراء قد شغل – وما يزال – البعض حتى كاد أن يُنسيهم القضية الأساسية، وهي حاجة إنسان دارفور إلى السلام، وأن زيارة رئيس الوزراء لمعسكرات النازحين من بُشريات السلام ..!!

:: لا تنسوا.. طوال أزمة دارفور، وطوال عُمر النظام المخلوع، لم يتجرأ أي مسؤول حكومي بالدخول إلى أي معسكر من معسكرات النازحين.. فالولاة كانوا يخدعون الرأي العام بتنظيم الحشود في أطراف عواصم الولايات، ثم تسمية أمكنة الحشود بمعسكرات النازحين.. وكانوا يخدعون الرأي العام بلافتات ترحيب منسوبة للنازحين، وكانوا يخدعون الرأي العام بشخوص تزعم تمثيلها للنازحين.. هكذا كان الولاة يتفنون في الخداع، ولم يكن أحدهم يقترب إلى تلك المعسكرات ..!!

:: ولكن يوم الاثنين، صال الدكتور حمدوك – والوفد المرافق له – وجال في معسكرات النازحين بشمال دارفور.. لم يهتفوا ضده، بل رحبوا به و أكرموه وهتفوا – معه – بشعارات ثورتهم.. وخاطبهم كفاحاً، وحاورهم، واستمع إلى شكاواهم ومطالبهم مباشرة.. وهذا ما لم يكن يحدث طوال العقود الفائتة؟ فما الذي تغيّر؟.. هذا ما يجب أن يشغل الناس ويسعدهم، وليس القمصان والسراويل وغيرها من سفاسف الأمور المراد بها إلهاء العقول وصرفها عن معالي الأمور و أشرافها ..!!

الطاهر ساتي

Exit mobile version