مَن يُخادِع مَن؟
مَن لا يفهم طريقة الحزب الشيوعي السوداني، سيحتار في حديث السكرتير العام للحزب السيد الخطيب في الندوة التي عُقدِت بميدان المدرسة الأهلية بأم درمان قبل يومين، لكن مَن تابَع وظلّ يُتابع سلوك ومنهج الشيوعيين في العمل السياسي لا تعوزه القدوة في استكْناه ما وراء هذه الندوة، والحديث الصاخب الذي ألقاه الخطيب على عواهنه، فليس صحيحاً بالمُطلق أن الحزب تتناوشه رياحُ الصراع العنيف بين تيارات الشيوعيين المُتنافِسة، وهي صنفان، الصنف الأول المجرى الرئيسي العام للحزب، والثاني هم زُمرة من الشيوعيين خارج الأطر التنظيمية، وهؤلاء من يُتّهمُون أنهم يُحيطون برئيس الوزراء عبد الله حمدوك إحاطة السوار بالمعصم ..
ما يفعله الحزب الشيوعي، هي لعبة قديمة احترفها المراكسة السودانيون على امتدادات تاريخ السودان الحديث، منذ نشأتهم في مصر على يد اليهودي هنري كورييل، وهي لعبة الحُكم والمُعارَضة، وقد تجلّت هذه اللعبة بذات الكيفية مع نظام مايو عندما دبّروا مع العسكريين آنذاك الانقلاب على النظام الديمقراطي، فكانوا جزءاً من السلطة المايوية، ونفّذوا نفس الإجراءات الحالية من تشريد للعاملين بالدولة والفصل التعسّفي وإبعاد الكوادِر وتسييس الخدمة الوطنية، وامتهان القانون وتمريغه في التراب، وكان الحزب بقيادة سكرتيره العام عبد الخالق محجوب عندما تمكّنوا من الدولة وظنّوا أنهم ملكوها بالكامِل، بدأوا في نقد النظام وتوسيع المسافة معه، ومحاولة التملّص من بعض سياساته، والظهور أمام الرأي العام وكأنهم ينشدون الإصلاح السياسي ويُحاولون تصحيح المسار لثورة مايو التي قامت كما يُقال يومذاك من أجل الكادحين والطبقة العاملة و”البروليتاريا”، كانوا يقولون ذلك ويخدعون الحميع بينما الحزب يُخطّط لانقلاب هاشم العطا في ١٩ يوليو ١٩٧١ .
لعبوا لعبة المُعارَضة والحُكومة، وكان عبد الخالق محجوب مُختبِئاً في القصر الجمهوري عندما هرب من محبسه عندما اعتُقل نتيجة تحريضه ضد مايو قبل انقلاب حزبه، فالحزب الشيوعي عاد إلى ضلاله القديم، يعبَث بحقائق الواقع والتاريخ، فهو الآن مُستغفِلاً الجميع، زرع كوادِره في كل مكان، واستغل رئيس الوزراء وحكومته، فله عدد من الوزراء والوكلاء ومديري الإدارات المُختلفة في جهاز الدولة الرسمي ومؤسساتها، ولأنه غير مُقتنع بوجود المُكوّن العسكري كشريك في الحُكم وأطراف سياسية أخرى في الحرية والتغيير، فإنه يُخطّط لعمل عسكري وانقلاب كامل حتى يُسيطر على البلاد بالكامل بمساعدة كوادره والمُغفّلين النافعين من الأحزاب والحلفاء في بعض التنظيمات المسلحة ..
نفس التفكير الانقلابي الذي مرت عليه أكثر من أربعة عقود، ونفس الرغبة الجامِحة المتوحّشة الطامِعة في السلطة، لكن ما لا يفهمه الشيوعيون سواء أكانوا في الحزب أو خارج إطاره التنظيمي، أن الدائرة دائماً تدور عليهم، يحدُث لهم الانتفاش الأجْوَف والانخداع بِسرابِ السلطة فلما يطمئنّوا لبريقها الزائف تقع عليهم الطامَّةُ الكُبرى ليحوّلوا عاليها إلى سافلِها، فهكذا نواميس الخالِق المدبّر، وسُنّة الله التي لن تجد لها تبديلاً، فكل سعي الحزب للسيطرة علي مقاليد السلطة في بلادنا إلى بوار، يتراكمون فوق ركام تطلعاتهم وأحلامهم ثم يجرفهم السيل وتطأهم مياسم الحق الأبلج.
ما نفهمه من حديث السيد الخطيب في ندوة الحزب الأخيرة، أن السيناريو المُعَد يجري تنفيذ مشاهده الأكثر إثارة، وأن حزب الجدل المادي يُحاول إعادة وتكرار وقائع التاريخ، لم يُجدّد طريقته، ولم يبتدِع غيرها من وسائل تعمية، حذو النعل بالنعل، يسير إلى حتفه الثاني، وستكون عاقبته وخيمة إذا تجرّأ ..
ونحن إذ نشيد بالحزب وكوادره بالحكومة من وزراء ومسؤولين وقياداته السياسية والتنظيمية التي جعلت من حزبها وكادرها السياسي والأمني مكشوفاً دون غطاء، وقد نزعت عنه غلالة السرية الرقيقة الشفافة، فلا سراً له يُطوى، ولا كادراً يُحجب، ولا معلومة تُطمر، ولا وجوهاً تتوارى خلف سراديب الحزب العميقة …
ما أروع الحزب المكشوف… فانظروا إلى مَلِكنا العريان …!
الصادق الرزيقي
الصيحة